في مصر غرفة لصناعة السينما منبثقة عن وزارة الصناعة مهمتها الرئيسة «رعاية مصالح أعضائها، وسرعة الأداء والاستجابة والتحرك السريع تجاه أية مشكلة تهدّد الصناعة، وضمان حماية الأفلام في الداخل والخارج، مع وضع نظام لتوزيع الفيلم، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة له لاستنفاذ العروض كافة التي تضمن لمنتجه تحقيق عائد قوي يُساهم في استمرارية وجوده في الصناعة». كذلك ثمة مصلحة للضرائب تابعة لوزارة المالية «تضمن التزام منتجي وموزعي الأفلام السينمائية والتلفزيونية والتسجيلية والوثائقية، وأعمال الدراما التلفزيونية والإذاعية والمسرحية، والإعلام والبرامج، بالتسجيل لديها، وإمساك دفاتر وحسابات منتظمة بما يضمن سداد مستحقات الخزانة العامة للدولة».

نظام دقيق، ولوائح صارمة، خصوصاً إذا علمنا أن تقريراً مفصلاً عن حجم الإيرادات اليومية للأفلام، يصل إلى المنتجين وغرفة صناعة السينما، عبر مندوب ضريبة الملاهي، الذي يزور الصالات يومياً لتحصيل النسبة الخاصة بالضريبة على كل تذكرة. ومع هذا، لا تتوافر منظومة حقيقية ترصد ما يحدث على الساحة، حيث يمتنع هذا الطرف (غرفة صناعة السينما) وذاك (مصلحة الضرائب) عن إعلان حقيقة الإيرادات التي تُحققها الأفلام في صالات العرض، ما يتيح لشركات الإنتاج والتوزيع التغرير بالرأي العام، من خلال الإعلان عن أرقام كاذبة ليس لها سند من الحقيقة في «شباك التذاكر»، وتستهدف إضفاء نوع من النجاح الوهمي على الأفلام.. والنجوم!

Ad

أزمة تتكرر مع كل موسم سينمائي جديد، وتكشف قبحها هذه الأيام، مع تسابق شركات الإنتاج والتوزيع، ومعهم النجوم من أبطال الأفلام، إلى الإعلان، كنوع من الدعاية الوهمية، عن الأفلام الأكثر نجاحاً، وتحقيقاً للإيرادات، في موسم عيد الفطر الذي بدأ منذ أيام. ففيما قال بعض الصحف والمواقع إن فيلم «هروب اضطراري»، بطولة أحمد السقا وإخراج أحمد خالد موسى، احتل قمة شباك التذاكر مع اليوم الأول لعرضه، مُحققاً إيرادات بلغت 732.135 ألف جنيه، وإنه استطاع الحفاظ على فارق كبير بينه وبين الأفلام المنافسة، وأقربها فيلم «عنتر ابن ابن ابن ابن شداد»، بطولة محمد هنيدي وإخراج شريف إسماعيل، الذي احتل ذيل القائمة بإيرادات بلغت 90.544 ألف جنيه، فجرت صحيفة يومية شهيرة مفاجأة بتأكيدها أن «فيلم هنيدي حقق نجاحاً كبيراً وملحوظاً في أول أيام عرضه في عيد الفطر المبارك»، وأضافت أن «إحدى صالات العرض علّقت «لافتة» تقول إن الفيلم «كامل العدد»، وإن «الجمهور أشاد بالفيلم، وكانت ردود فعله جيدة للغاية، وضحكاته تتعالى منذ نزول التتر».

وفي إطار الحرب السرية المكتومة، وفي ما يُشبه الغمز واللمز، قالت الصحيفة: «كان الإقبال على شباك التذاكر متزايداً وأكثر من فيلمي «هروب اضطراري» و{جواب اعتقال»!

إلى هذا الحد بلغ التضارب والتخبط، ووصلت الأمور إلى درجة إطلاق تصريحات هي في الحقيقة مجرد اجتهادات فردية. ومن يضمن صحة الأرقام التي قالت إن «جواب اعتقال»، بطولة محمد رمضان وإخراج محمد سامي، احتلّ المركز الثاني في قائمة أفلام موسم الفطر، مُحققاً إيرادات بلغت 146.563 ألف جنيه، فيما جاء «الأصليين»، بطولة خالد الصاوي وإخراج مروان حامد، في المركز الثالث بإيرادات قُدرت بـ 137.879 ألف جنيه، واحتل «تصبح على خير»، بطولة تامر حسني وإخراج محمد سامي، المركز الرابع بإيرادات بلغت 115.119 ألف جنيه؟

ما يمكن قوله إن ما يحدث على الساحة السينمائية، من انفلات وفوضى، هو انعكاس لما نراه على الأصعدة السياسية والاقتصادية كافة، إذ لا يمكن تجاهل الربط بين إخفاء الإيرادات، والخلل الواضح الذي أدى إلى امتلاك المنتجين والموزعين صالات العرض، وسيطرة بعض الكيانات على مقدرات صناعة السينما، فأصبحت أكثر قوة ونفوذاً وهيمنة من غرفة صناعة السينما نفسها، في ظل غياب الجهة القادرة على الردع، بحيث تُجبر غرفة صناعة السينما ومصلحة الضرائب على تقديم ملفات ومستندات وإقرارات تضع الحقيقة كاملة أمام الرأي العام، ولا تسمح بأي نوع من الزيف أو التدليس أو الضحك على الذقون، فلا يُصبح السقا الأول لمجرد أن رئيس تحرير الصحيفة صديقه، ولا هنيدي النجم الأوحد من دون منازع لمجرد أن صاحب الموقع أو البوابة وقع في غرام «إفيهاته»، فيما يذهب محمد رمضان «في الرجلين» لمجرد أن دمه ثقيل على البعض!