تقوم أبرز فكرة تتناقلها إدارة ترامب اليوم على أننا نعجز عن تدمير "داعش" في سورية ما لم نطِح بالأسد من السلطة ونكبح وجود إيران ونفوذها إلى حد كبير. لا داعي لأن نذكِّر بأن الشرق الأوسط ليس عالماً مثالياً، ولا شك أن الرد الأميركي على أي اعتداءات إضافية بالأسلحة الكيماوية، كما هدد البيت الأبيض، ضروري ومبرر، لكن السعي وراء مهمة طموحة ضد إيران، والأسد، والروس في سورية يشكّل خطوة خطيرة، ومتهورة، وغير ضرورية لحماية المصالح الأمنية الأميركية الحيوية، وإليك خمسة أسباب تؤكد ذلك:

Ad

1- تعجز الولايات المتحدة عن استئصال "داعش" من سورية:

تحدث ترامب عن محو الإرهاب الإسلامي المتطرف عن وجه الأرض. لكن هذه مهمة مستحيلة، إذ ستبقى سورية وحدها أرضاً خصبة للمجاهدين والسلفيين من كل الأطياف نظراً إلى خليطها السام من سوء الحوكمة، والفرص الاقتصادية القاتمة، والكراهية الطائفية، والمجتمعات السنية المضطهدة. وستتمكن عقيدة "داعش" ودعايته من مواصلة تأجيج البغض والإحساس بالظلم والأسى بين السكان السنة.

2- لن تتوافر في المستقبل القريب الشروط الضرورية لبناء دولة سورية مستقرة:

ما فكرة أن نواجه إيران أو نحاول إضعاف نظام الأسد، في محاولة للإطاحة به من السلطة أو إرغامه على القبول بعملية انتقال سياسية يجري التفاوض بشأنها، إلا سراب، وتجلى هذا الواقع منذ بضع سنوات، حتى لو التزمت الولايات المتحدة بالإطاحة بالأسد، ستؤدي هذه الخطوة إلى المزيد من الفوضى في ظل غياب أي قوة منظّمة موالية للغرب لتحل محله. نتيجة لذلك ستتسابق كل المجموعات بجنون لترسّخ سلطتها على الأراضي التي تسيطر عليها، مما يزيد الطين بلة.

3- لا نريد حرباً مع إيران:

يدير إيرانَ نظامٌ قمعي ينتهك حقوق الإنسان، يتّبع أهدافاً توسعية، ويرعى الأعمال الإرهابية في مختلف أرجاء الشرق الأوسط، لكن محاولة الحد من النفوذ الإيراني في سورية يبدو من الناحية النظرية أكثر سهولة منه من الناحية العملية. علاوة على ذلك، ما زال على مَن يدعمون إخراج إيران من جنوب شرق سورية وعرقلة جهودها للسيطرة على المعابر الحدودية بين العراق وسورية (في محاولة لإقامة جسر بري إلى البحر الأبيض المتوسط) أن يبرهنوا كيف يساهم ذلك في إنزال الهزيمة بـ"داعش". تخطط الإدارة أيضاً لإرسال فريق من سبعة عناصر ليقدّم المساعدة الإنسانية في مناطق جنوب شرق سورية التي حُررت من قبضة "داعش". لا تشكّل كل هذه الخطوات استراتيجيةً بل مجرد مناورات تكتيكية لن تلاقي النجاح، فلا ترتبط سياسات سورية التي تتبعها الإدارة بأي مجموعة أشمل من الأهداف لمحاربة "داعش" وغيره من المجموعات الإرهابية، علماً أن هذا يشكّل هدفاً ملحاً بالنسبة إلى إيران بعد الاعتداء الإرهابي الأخير في طهران.

4- لا تستطيع الولايات المتحدة تهميش روسيا:

المخاوف من أن تنجر الولايات المتحدة وروسيا إلى حرب شاملة في سورية مبالغ فيها لأن هاتين الدولتين تدركان جيداً العواقب الكارثية المحتملة، لكن مواصلة تصعيد الحوادث العسكرية، التي تشمل قوات أميركية وروسية في سورية، سيصعّب على البلدين التوصل إلى تسوية مؤقتة لنشر الاستقرار في البلد بعد سقوط الرقة بين أيدي الولايات المتحدة وقوات الائتلاف. تواجه روسيا واشنطن بعدد من الحقائق المزعجة: أولاً، تتمتع روسيا بموقف عسكري ودبلوماسي أقوى بكثير، مقارنة بالولايات المتحدة. وثانياً، بما أن بوتين يملك الأوراق الأقوى فمن الصعب تخيّل أنه سيقبل طوعاً بفرض قيود جدية على أفعال الأسد.

5- لا تُعتبر مصالح الولايات المتحدة في سورية حيوية بقدر مصالح خصومها:

مهما كانت سورية مهمة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ينبغي لواشنطن أن تقرر مدى التضحية التي قد تقدمها وما إذا كانت مستعدة للمضي قدماً مع تراجع إيران وروسيا. تشكّل فكرة أنه ما من وسيلة لتبديل الحسابات الروسية أو الإيرانية إلا بزيادة الضغط لعبة خطيرة، نظراً إلى الاختلاف الكبير في الإرادة، والمصالح، والحلفاء بين الطرفَين. فمَن سيتراجع أولاً في ظل غياب دعم الكونغرس والشعب لمغامرة عسكرية أخرى لا نهاية لها؟

كما في أفغانستان حيث لا تزال الولايات المتحدة عالقة في مستنقع كبير، ستُضطر واشنطن على الأرجح إلى الاكتفاء بأفضل نتيجة ممكنة في سورية، علماً أن هذه النتيجة لا تشمل النصر بالتأكيد. من المستحيل أن نحدد اليوم معالم هذه النتيجة. فقد أمضت الولايات المتحدة في أفغانستان نحو عقد ونصف عقد تقريباً وما زالت تجهل ما إذا كانت ستتوصل إلى ما يشبه نصراً مستداماً.

* «ناشيونال إنترست»