أكمل المسيرة نحو وطن يليق بإنسانيتنا مع مَن بقي معي بعد الجزء الأول من هذا المقال.

الخطوة السابعة:

Ad

أنا مؤمن بأن مجتمعاتنا تتجه نحو الهاوية على المستوى الإنساني، وفي ممارساتنا اليومية، ما يجعل من المستحيل أن نخلق حياة مشتركة لمُخْتَلِفَين تحت سقف واحد، إلا تحت سقف الفردية الخالصة!

ولم يبقَ سوى مَن وصلوا معي حتى الخطوة السابعة، وهم أصبحوا أقلية في مجتمع بات بعضه ينهش بعضه، للاستفراد بحياة كل فرد في المجتمع، مجتمع انتشرت فيه "النفسيات" بشكل مرعب، للحد الذي لا يكف طفل عمره أربع سنوات عن الصراخ، إلا حينما يسمعه أهله "شيلة": هب الهبوب وزانت النفسية! الصديق الذي حكى لي هذه الحادثة، وهو بالمناسبة خال ذلك الطفل، تساءل بذهول: ما ماهية الجيل الذي سينتجه جيل هذا الطفل بعد قرنين من الزمان؟!

تذكرت بعض سجناء الرأي الذين أفرج عنهم أخيرا، والذين تراوحت محكوميتهم من أربع إلى سبع سنوات، أعرف أحدهم، قال لهم الضابط المسؤول عن الإفراج عنهم بالحرف الواحد: "انتبهوا ترى الناس ما هم على خبركم، الناس صاروا نفسيات"! مجتمعاتنا تتجه بخطى ثابتة نحو الانهيار على مرأى من أوطاننا، ولابد لمن وصل معي حتى هذه الخطوة أن يستشعر حجم الكارثة بمسؤولية الراغب في حياة أجمل لإنسانيته، وأن يتمسك بكل ما أوتي من إيمان بأي مظلة متاحة توفر خطوة باتجاه تلك الحياة التي يرتضيها لي وله، على اختلاف إيماننا وانتمائنا تحت سقف وطن يحبه كل سويّ، وطن يأخذ بحق كل مَن يتعرض للأذى بسبب اختلافه، ويكفي كل فرد فيه شر إيمانٍ يعتقد أن هذا الوطن مفصَّل على مقاسه فقط.

إذا لم تتفق معي أن هناك أملا لخلق هذا الوطن، فلا تكمل المقال، ومت إن شئت بعيدا في هاوية اليأس، فأنا متمسك بالأمل، حتى ما بعد الخطوة السابعة.

الخطوة الثامنة:

إذا كنت وصلت معي للخطوة الأخيرة، فإنني أرى أملا في وجود مظلة متاحة، قد لا تكاد تتسع هذه المظلة سوى لاثنين، زوج وزوجته، حبيب وحبيبته، صديق وصديقه، أنت يا مَن وصلت معي إلى الخطوة السابعة وأنا، إلا أن هذه المظلة الصغيرة بالإمكان خلق وطن صغير منها يضمن حياة تستحقها آدمية كل منهما في حياة مشتركة رغم اختلافهما.

ولا يقتصر الأمل عند هذا الحد، بل يمتد إلى حث هذا الثنائي على توسيع رقعة وطنهما الصغير، ليضم آخرين من الدائرة التي أكملت المسير حتى هذه الخطوة، بغض النظر عن الطريق الذي سلكوه للوصول هنا، ليصبح حينها لنا وطناً كبيراً في الوطن الأكبر، يدعم كل خطوة تمضي بنا إلى إعادة بناء مجتمع يتشكل من فسيفساء، ضمن حياة مشتركة مع آخرين تضمن حياة تليق بإنسانيتنا رغم اختلافنا.

إذا كنت تتفق معي حتى هنا، فها نحن أصبحنا إذن على مشارف وطن لطالما حلمنا به بحياة تليق بإنسانيتنا أنت وأنا، حتى وإن لم يجمعنا سوى ما سبق!