لما كانت الليلة الرابعة والعشرون بعد الأربعمئة، قالت شهرزاد للملك شهريار: بلغني أيها الملك السعيد أن المزين أبا صير لما وجد زميله الصباغ أبا قير نائماً في ركن السفينة، وقد أتى على كل ما تركه عنده من طعام، قال لنفسه: ما أظنّ أنه بعد ذلك إلا نوى الصوم، ولا يستطيع القيام من النوم إلا بعد يوم. ثم وضع الصحن بما فيه جانباً واستعد للنوم إلى جانب أبي قير، فإذا به يفتح عينيه، ثم يمدّ إلى ذلك الصحن يديه، وما كاد يرى ما احتوى عليه حتى اهتز عجباً، ومال طرباً، ثم شرع في التهام ما فيه متشدقاً كالجمل، وانقض عليه انقضاض الذئب على الحمل.

ما هي إلا دقائق، حتى كان الصحن نظيفاً كأنه غسل سبع مرات، كل هذا وأبو قير ما زال مضطجعاً على جنبه، حتى إذا انتهى من أكله وشربه، أسلم جفونه للنوم مجدداً، وبقي شدقه يتحرك وكأنه يقول هل من مزيد؟

Ad

ولم يزل أبو صير وأبو قير على هذه الحال في السفينة 20 يوماً، وفي كل يوم يزاول الأول صنعته، ويرجع إلى الثاني بما يحصل عليه من دراهم وطعام وشراب، فيحتفظ بالدراهم عنده مع متاعه، ويأتي على كل ما يأتي به زميله من مأكولات، ولا يترك له شيئاً منها... ذلك كله وهو ملازم مرقده في السفينة. أما أبو صير المزين فيكتفي من الغذاء بما يتناوله عند القبطان في العشاء كل مساء، ويحمد الله على ذلك.

وفي اليوم 21، رست السفينة على ميناء مدينة كبيرة، وغادرها الركاب للتجارة والفرجة، فشكر أبو صير قبطانها وأعوانه على ما لقيه منهم من إكرام، وقال لأبي قير: قم بنا يا أخي ندخل هذه المدينة العظيمة، لنسعى في اكتساب رزقنا فيها، فقال له أبو قير: لا أقدر على المشي لأني ضعيف، فحمله أبو صير مع متاعهما، وسار إلى المدينة وهو يكاد يقع على الأرض لثقل حمله وفرط تعبه.

ولم يزل كذلك حتى وصل إلى خان قريب من الميناء، فاستأجر حجرة فيه، وأنزل فيها حمله، وبعدما استراح قليلاً، ترك زميله نائماً على الفراش في الحجرة، وخرج إلى السوق فاشترى بعض الطعام، ورجع به إليه حيث أيقظه ودعاه إلى الأكل، فقال له أبو قير: هات الأكل هنا عندي في الفراش لأني ضعيف. وما كاد أبو صير يضع الأكل بين يدي صديقه، حتى هجم الأخير عليه كالغول، وما هي إلا لحظات حتى كان التهمه كله!

وفي اليوم التالي، خرج أبو صير من الخان، ومشى في المدينة حاملاً عدته، فحلق لكثير من الناس، واشترى بنصف ما جمعه من أجره طعاماً مختلف الألوان، ورجع به إلى زميله أبي قير، فأكل تسعة أعشاره وهو مُضطجع على الفراش، وأخذ ما بقي من الدراهم مع أبي صير ليحتفظ به عنده أيضاً، ثم نام مجدداً.

ولم يزالا على هذه الحال 40 يوماً، وكلما قال أبو صير لأبي قير: تعال معي لتتفرج على المدينة وما فيها، أجاب بأنه ضعيف لا يقدر على المشي، فيتركه نائماً في حجرتهما بالخان، ويمضي هو ليعمل ويشقى، ثم يرجع إليه بالطعام والشراب، ويعطيه ما تبقى معه من مكسبه ليدخره عنده مع الدراهم الأخرى.

أبيض أو أزرق

في اليوم 41، أراد أبو صير أن يخرج من الخان لمزاولة عمله كعادته، ولكنه لم يستطع لشعوره بالمرض والتعب فبقي راقداً إلى جانب زميله، ولما حان وقت الغداء، دعا بواب الخان وكلفه أن يحضر لهما بعض الطعام، فلما جاء به ووضعه بين أيديهما، لم يجد أبو صير شهية للأكل لاشتداد مرضه، فالتهم أبو قير الطعام كله وحده، كذلك فعل في العشاء، ثم أسلم جفنيه للنوم غير سائل عن صحة زميله المريض المسكين.

ولما استيقظ في صباح اليوم التالي، وجد أبا صير المزين فقد وعيه وغاب عن الوجود من شدة مرضه، فقام وأخذ كل ما في الغرفة من الدراهم المدخرة، ثم تركه وحده فيها، وخرج من غير أن يعلم أي أحد، وما زال سائراً حتى وصل إلى سوق المدينة فاشترى لنفسه طعاماً أكله حتى شبع، وثياباً لبسها، ثم سار يتفرج على شوارع المدينة وقصورها ودورها ومتاجرها وقلبه يفيض بالسرور، غير مفكر في صاحبه المريض الذي تركه وحده في الخان!

ولاحظ أبو قير أن الملابس كافة التي يرتديها أهل المدينة لونها أبيض أو أزرق، ولا وجود لأي لون آخر، فعجب من هذا الأمر، وسأل صاحب مصبغة صادفها في طريقه: بكم تصبغ مثل هذا الثوب الأبيض الذي ألبسه؟ فأجابه: بعشرين درهماً. فقال له أبو قير: هذه أجرة باهظة، وفي بلادنا نصبغ مثله بدرهمين فقط. فقال له صاحب المصبغة: انتظر حتى تصبغه في بلادكم، فالأجرة عندنا لا تنقص درهماً عما ذكرته.

قال له أبو قير: هل الأجرة واحدة للصبغ بالألوان كافة، لأني أريد أن آتيك بأربع قطع لتصبغ إحداها بالأحمر، والثانية بالأخضر، والثالثة بالأصفر، والرابعة بالأزرق، فضحك صاحب المصبغة وقال له: أي شيء يكون الأحمر والأخضر والأصفر؟ نحن لا نعرف الصبغ إلا بالأزرق، والملابس عندنا إما بيضاء أو زرقاء كما ترى.

قال له أبو قير الصباغ: إن صنعتي صباغ، وفي استطاعتي أن أصبغ الألوان كافة، فإذا ألحقتني بالعمل في مصبغتك فإني أعلمك الصباغة بها، وبذلك يكون لك فخر السبق على الصباغين في هذه البلاد. فقال له صاحب المصبغة: لا نقبل أن يدخل في صناعتنا أي غريب عنا. عندئذ، تركه أبو قير وتوجه إلى مصبغة أخرى، وخاطب صاحبها في هذا الشأن، فكان جوابه كجواب الأول، ولم يزل يتنقل من مصبغة إلى أخرى حتى طاف على 40 مصبغة، وتحدث إلى أصحابها ليلتحق بالعمل عندهم، ولكنهم جميعاً لم يقبلوا ذلك، فتوجه إلى شيخهم وشكاهم إليه، وطلب منه أن يسمح له بأن يفتح مصبغة لنفسه، فقال له شيخ الصباغين: هذا أمر غير ممكن أبداً، فاغتاظ أبو قير، وتوجه إلى قصر الملك، وطلب مقابلته، فلما قابله حدثه بكل ما جرى له مع الصباغين وشيخهم، وأخذ يصف له ألوان الصباغة المختلفة من أحمر كوري وعنابي، ومن أخضر زرعي وفستقي وزيتي وجناح الذرة، ومن أسود فحمي وكحلي، وأصفر ليموني ونارنجي، وغير ذلك.

أعجب الملك بهذه الأوصاف، وقال له: أنا أفتح لك مصبغة كبيرة، وإذا تبين لي صدقك فإني أجعلك شيخ الصباغين في مملكتي كلها، وكل من تعرَّض لك من الصباغين أشنقه على باب دكانه.

أمر الملك بإنشاء مصبغة كبيرة لأبي قير وبأن يعطى كل ما يطلب من المال لشراء ما يلزم لها من أدوات وغيرها، ثم خلع عليه من أحسن ما عنده من ملابس، وأنزله في ضيافته إلى أن اكتملت المصبغة بحسب طلبه، وصبغ بعض الملابس بمختلف الألوان التي ذكرها للملك.

مصبغة السلطان

لما كانت الليلة الخامسة والعشرون بعد الأربعمئة، قالت شهرزاد للملك شهريار: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك لما رأى الملابس التي صبغها أبو قير بالألوان المختلفة، أعجب بها الإعجاب كله، وأعطاه أربعة آلاف دينار كي يوسِّع مصبغته، كذلك جعله شيخ الصباغين في مملكته، ثم أخذ هو وأكابر أهل المدينة من الوزراء والقواد والتجار وغيرهم يرسلون إليه الأقمشة ليصبغها لهم بتلك الألوان، ويدفعون له ما يطلب من الأجر وزيادة، لشدة إعجابهم بصنعته.

ولم يمض قليل من الزمن حتى اشتهر أمره في المدينة وضواحيها وفي أنحاء المملكة، فصار الناس يتسابقون إلى مصبغته ويبذلون له الذهب والفضة بغير حساب، كي يصبغ لهم الأقمشة بالألوان التي يحبونها، ولم يعد أحد من أهل المملكة يرضى بمعاملة أية مصبغة أخرى غير مصبغته التي أطلق عليها اسم «مصبغة السلطان»، فتكاثرت أرباحه، وجمع ثروة كبيرة، واشترى لنفسه قصراً عظيماً، وكثيراً من العبيد والجواري، وصار الصباغون يأتون إليه ويقبلون يديه وقدميه، ويستعطفونه كي يقبلهم عمالاً في مصبغته، ولكنه لم يجب طلبهم كي لا يعلّمهم الصباغة بالألوان، وليبقى هو وحده محتكراً هذه الصناعة الجديدة في المملكة كلها!

أما أبو صير المزين، فلما أفاق من غشية المرض، ووجد نفسه وحيداً في الغرفة، حسب أن أبا قير خرج إلى السوق لإحضار الطعام، ولما طال انتظاره أخذ يئن من شدة المرض والقلق، فسمع أنينه بواب الخان، وذهب إلى غرفته حيث وجدها مغلقة من الخارج، ففتح الباب ودخل ورأى أبا صير وحده يتلوى من الألم، ولم يجد في الغرفة أي شيء من الأمتعة أو الملابس أو النقود، فأدرك أن أبا قير أخذها وهرب منتهزاً فرصة غيبوبة المرض التي وقع فيها زميله المسكين.

وكان البواب طيب القلب، فأخذته الرأفة بأبي صير، وصار يخدمه ويأتيه بالأدوية والأطعمة اللازمة له، إلى أن تماثل إلى الشفاء بعد شهرين، واستطاع الخروج لاستئناف عمله، شاكراً بواب الخان ما صنعه معه من معروف.

لما كانت الليلة السادسة والعشرون بعد الأربعمئة، قالت شهرزاد للملك شهريار: بلغني أيها الملك السعيد أن الأقدار ساقت أبا صير بعد شفائه من مرضه إلى الجهة التي فيها مصبغة زميله أبي قير، فلما وصل إليها ورأى الملابس المنشورة أمامها وهي مصبوغة بمختلف الألوان، تعجَّب من ذلك غاية العجب وقال لنفسه: أي أمر جرى؟ ومن يا ترى أدخل الصباغة بالألوان إلى هذه المدينة بعدما كان أهلها لا يعرفون إلا الصباغة باللون الأزرق فقط؟ ثم شق لنفسه طريقاً بين الناس المزدحمين أمام المصبغة، وعلم من أحدهم أن اسمها مصبغة السلطان، وأن ملك المدينة نفسه أنشأها لرجل غريب من أهل مصر، اسمه أبو قير، وجعله شيخ الصباغين في المملكة، وصار من كبار الأغنياء، وله قصر عظيم في المدينة، وعنده كثير من العبيد والجواري والخدم، وعلم بعضهم الصباغة بالألوان المختلفة، ولم يرض أن يعلم هذه الصنعة الجديدة لأحد غيرهم، كي لا ينافسه فيها منافس!

لما سمع أبو صير المزين ذلك الكلام، فرح كثيراً بما وصل إليه زميله أبو قير، وقال لنفسه: ظلمته إذ ظننت أنه سرق مالي وهرب وتركني مريضاً، ولا بد من أن الملك شغله عني بفتحه هذه المصبغة له، وسيكون سروره عظيماً حينما يراني الآن! ثم تقدم حتى دخل المصبغة، فوجد في صدرها دكة عالية مفروشة بأفخر السجاد، وعليها وسائد وطنافس من الحرير الثمين، وقد جلس عليها أبو قير وكأنه أحد الملوك، ومن حوله عشرة من المماليك في أفخر الملابس، بينما أخذ «العبيد» يزاولون العمل في المصبغة، بحسب تعليماته لهم، وبعضهم يتولى تسلم الأقمشة من العملاء، وتسليمهم الأقمشة التي صبغت، ثم يضع الذهب والفضة أمام أبي قير في أكياس أعدها لهذا الغرض، وكلما امتلأ كيس منها، أمر بنقله إلى خزائنه بعد ختمه بخاتمه.

أبو قير يضرب أبو صير

حانت من أبي قير التفاته إلى الجهة التي وقف فيها أبو صير، فلما وقعت عليه عيناه عرفه فوراً، ولكنه تجاهله وصاح به غاضباً: ما الذي جاء بك إلى هنا أيها اللص الخبيث؟ أما عفوت عنك في المرة السابقة على أن تتوب ولا تعود إلى السرقة؟ ثم أمر مماليكه وعبيده بأن يقبضوا عليه ويوثقوه بالحبال ثم يلقوه على بطنه أمامه. لما فعلوا ما أمرهم به، قام من مجلسه، وجاء بعصا غليظة، وأخذ يهوي بها على ظهر أبي صير المسكين، حتى كاد يقتله من شدة الضرب، وبعد ذلك أمر بحل وثاقه، وصاح به قائلاً: إنني سأصفح عنك في هذه المرة أيضاً، ولكن إذا عدت إلى هنا مجدداً فلن أعفو عنك، بل أرسلك إلى الملك فيسلمك إلى الوالي ليشنقك ويريح الناس من شرك وأذاك.

وكان الناس المزدحمون في المصبغة شاهدوا ضرب أبي صير، وسمعوا ما قاله أبو قير من اتهامه بأنه لص خبيث يحاول سرقة الأقمشة والملابس التي في المصبغة، فأخذوا يشيعونه بالشتائم عند انصرافه باكياً مكسور الخاطر، وما زال يسير وهو يبكي ويئن من ألم الضرب وخيبة أمله في زميله الذي خانه وغدر به، إلى أن وصل إلى الخان الذي يقيم به، فدخل غرفته ولزم الفراش أياماً عدة، كان البواب الطيب القلب يعوده خلالها ويزوده بما يحتاج إليه من الطعام.

لما كانت الليلة السابعة والعشرون بعد الأربعمئة، قالت شهرزاد للملك شهريار: بلغني أيها الملك السعيد، أن أبا صير المزين حينما خرج من الخان بعد ذلك لاستئناف عمله، خطر على باله أن يدخل حمام السوق ليغتسل فيه ويغيِّر ملابسه، وكانت دهشته شديدة حينما سأل عن حمام يذهب إليه، فإذا به يعلم أن المدينة كلها ليس فيها أي حمام، وأن أهلها ليس لهم أي علم بحمامات السوق، ولا سمعوا بها، بل إن ملك المدينة نفسه ليس في قصره حمام من هذا النوع.

وفكر أبو صير فهداه تفكيره إلى أن يقابل الملك، ويعرض عليه أن ينشئ حماماً في المدينة، فأخذ طريقه إلى قصر الملك فوراً، ولما قابله أخذ يصف له حمامات السوق في مصر، ويشرح له مزاياها وفوائدها وكيف أنها من أحسن نعم الدنيا، وفي وجودها بالمدينة ما يكسب أهلها الصحة والنظافة والجمال. لما سمع الملك كلامه، أخذه العجب وقال له: هل تقدر أن تبني في المدينة حماماً بهذه الصفة؟ فقال له أبو صير: نعم أستطيع ذلك يا مولاي، وكل ما أطلبه لذلك أن تجعل تحت يدي عشرة من البنائين، وعشرة من النجارين، وعشرة من النحاسين، وتأمر لي بقطعة من الأرض لإقامته عليها، و50 ديناراً أشتري منها ما يلزم للحمام من أدوات وأثاث. فقال له الملك: سأجعل جميع البنائين والنجارين والنحاسين طوع أمرك، أما المال فأنا الآن أعطيك ألف دينار، وأي مبلغ تطلبه بعد ذلك يصرف لك فوراً.

حمام السلطان

دعا الملك وزيره الأكبر وكلفه أن ينفذ تلك التعليمات، كذلك أمر لأبي صير ببزة فاخرة، وجواد كريم، ودار للسكن فيها بعض العبيد والجواري للخدمة. قبل أبو صير يد الملك شاكراً، وانصرف ومعه الوزير الأكبر حيث سلمه هذه الدار التي أمر له الملك بها مع العبيد والجواري والجواد والبذة والألف دينار.

وفي اليوم التالي، شرع أبو صير في بناء الحمام، في المكان الذي اختاره لذلك وسط المدينة، ولم تمض أيام حتى تم البناء بالطريقة التي أرادها، كذلك فرش الحمام، وزُيِّن من الداخل والخارج حتى صار بهجة للناظرين، ثم دعا الملك إلى الفرجة عليه، فلما رآه أعجب به كل الإعجاب، وكان الملك أول من جرَّب الاستحمام فيه، فلما انتهى من ذلك شعر بالانتعاش والسرور لأن جسمه ترعرع من النظافة بالماء الحار والصابون والتدليك والتكبيس والتبخير، فأمر لأبي صير بعشرة آلاف دينار، وقال له: «سمحت لك بأن تطلق على حمامك اسم حمام السلطان، وبأن تأخذ من كل واحد يدخله للاستحمام ألف دينار، فهذا أقل ما تستحقه على مثل هذا العمل العظيم المفيد». فقال له أبو صير: يا مولاي، الناس ليس فيهم من يقدر على دفع هذا المبلغ مثلك، والأفضل أن تجعل أجر الدخول إلى الحمام بحسب ما تسمح به حالة كل شخص كي يعم الانتفاع به، وتتحسن صحة الأهالي، ويتعودوا النظافة، فيزداد نشاطهم في أعمالهم ويزداد الرخاء تبعاً لذلك. فقال له الملك: صدقت، ولكن إكراماً لك، يجب على كل واحد من الأمراء والوزراء وكبار التجار أن يعطيك ألف دينار ومملوكاً وعبداً وجارية في أول مرة يدخل فيها الحمام. قبل الجميع ذلك مسرورين وجمع أبو صير من ذلك ثروة عظيمة في بضعة أيام.

وبعدما انتهى الأمراء والوزراء والقواد وأكابر التجار والأعيان من الفرجة على الحمام والاستحمام فيه لأول مرة، وراح كل منهم يعطي أبا صير ألف دينار وعبداً ومملوكا وجارية، أذن له الملك في إدخال كل من يشاء من أهل المدينة، فصار الناس يزدحمون على باب الحمام منذ فجر كل يوم، فيدخلهم أبو صير طائفة بعد طائفة، ويأخذ من كل واحد ما تسمح به نفسه، ثم خصص يوماً في الأسبوع لاستحمام الملك وأهل بيته، من أول النهار حتى الظهر، ولاستحمام الوزراء والعلماء ورؤساء العساكر وأمثالهم من الظهر حتى العشاء. واستمرت الحال على ذلك نحو شهر، فامتلأت خزائن أبي صير بالذهب والفضة، وصار عنده عدد لا يحصى من المماليك والجواري والعبيد، فأخذ في توسيع الحمام، وجعله على درجات، وخصص للملكة وحاشيتها قسماً خاصاً، كذلك خصص وقت ما بين الظهر والعصر كل يوم لنساء المدينة، واستخدم في الحمام عشرات من المماليك لخدمة الرجال، وعشرات من الجواري لخدمة النساء. ثم قال للملك وهو يكبسه بنفسه يوماً: كثر المماليك والجواري عندي يا مولاي، وهم يكلفونني كثيراً ولست أحتاج إلى أكثر من عشرة من هؤلاء وهؤلاء، غير المماليك والجواري الذين يعملون في الحمام، فالرأي عندي أن تخلصني منهم وتأخذهم في قصرك. فقال له الملك: لك ما تريد، وأمرت لك في نظير ذلك بمئة ألف دينار، تصرف لك في هذا النهار من الخازندار، فقبل أبو صير يد الملك ودعا له بدوام العز وطول البقاء.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.