لم يكن أمام القصري سوى الانغماس أكثر في العمل، كي لا يشعر بما يحدث له. تعاقد مطلع عام 1950، ولأول مرة، على المشاركة في ثمانية أفلام، بدأها بـ «العقل زينة» من تأليف جليل البنداري، سيناريو حسن رضا وإخراجه، مع كل من كاميليا، وفريد شوقي. تبعه «قمر 14»، قصة وسيناريو وحوار عبدالفتاح السيد، وإخراج نيازي مصطفى، وبطولة محمود ذو الفقار، مع كاميليا، وحسن فايق. ثم «مكتب الغرام»، من تأليف غصين محمود حمدي، سيناريو حسن حلمي وإخراجه، وبطولة كل من محمد أمين، وهدى شمس الدين. كذلك شارك في «معلهش يا زهر»، من تأليف يوسف عيسى، سيناريو هنري بركات وإخراجه، وإنتاج آسيا، مع كل من زكي رستم، وشادية، وكارم محمود. وفي فيلم «أسمر وجميل»، من تأليف عباس كامل وإخراجه، إلى جانب سامية جمال، وعبد العزيز محمود.

وأدى دور «المعلم زلط» تاجر السلاح، في «ليلة الدخلة» إلى جانب إسماعيل ياسين وحسن فايق، والعمل من تأليف علي الزرقاني، سيناريو مصطفى حسن وإخراجه، ثم ظهر في «حماتك تحبك»، قصة وحوار زهير بكير، وسيناريو فؤاد شبل وإخراجه، وبطولة شادية، مع كل من جلال حرب، وتحية كاريوكا.

Ad

لاحقاً، شارك في «دموع الفرح»، من تأليف وإخراج أحمد سالم وبطولته، وحوار بديع خيري، مع كل من مديحة يسري، وإسماعيل ياسين، وحسن فايق، وثريا حلمي، وستيفان روستي. لكن يبدو أن اسم الفيلم كان خادعاً، فلم تكن «دموع الفرح»، إذ قبل أن ينتهي التصوير بعدد قليل من المشاهد، رحل بطله ومخرجه الفنان أحمد سالم «دنجوان» السينما المصرية، في ريعان شبابه.

أزمة إنسانية

أصبح الطفل «مسعود» ابناً حقيقياً للقصري، لم يعد يفارقه لحظة، سواء في البيت أو في أي من الأستوديوهات التي يذهب إليها. في الوقت نفسه، حرص القصري على أن يعلّمه من خلال مدرسين كان يحضرهم إليه في البيت لتلقينه قراءة وكتابة اللغتين العربية والإنكليزية.

آنذاك، ازدادت أعباؤه الفنية، فلم يعد قادراً على تلبية طلبات المنتجين والمخرجين، حتى أنه اضطر خلال عام 1951 إلى قبول عشرة أفلام فقط من بين ما عرض عليه، ورفض مثلها تقريباً. قدّم مع مخرجه المفضل عباس كامل ثلاثة أفلام أولها «خبر أبيض» إلى جانب ليلى فوزي، وكارم محمود، وسعاد مكاوي، ثم «فيروز هانم» مع الطفلة المعجزة فيروز، وتحية كاريوكا، تلاه «شباك حبيبي» مع نور الهدى، وأنور وجدي، الذي اختاره ليشارك في «ليلة الحنة» من تأليفه وإنتاجه وإخراجه، وبطولة شادية، وكمال الشناوي. لاحقاً، قدّم مع المخرج حلمي رفلة أربعة أعمال، بدأها بفيلم «البنات شربات»، من تأليف أبو السعود الإبياري، مع أحلام وصديقه المقرب إسماعيل ياسين، الذي أصبح يتشارك معه في غالبية أفلامه هو وتحية كاريوكا. قدّم معهما للمخرج نفسه «فايق ورايق» ثم «حماتي قنبلة ذرية»، من تأليف أبو السعود الإبياري، كذلك شارك إسماعيل في «تعالى سلم» إلى جانب فريد الأطرش، وسامية جمال. بعده، قدّم مع المخرج نيازي مصطفى «الصبر جميل» إلى جانب كل من تحية كاريوكا، وشادية، ومحمد الكحلاوي. ثم «ابن الحلال» مع المخرج سيف الدين شوكت، مع كل من تحية كاريوكا، وفاتن حمامة، ومحسن سرحان. وأنهى أفلامه خلال هذا العام مع صديقه المقرب إسماعيل ياسين في «إسماعيل ياسين في بيت الأشباح»، قصة علي الزرقاني وحواره، وسيناريو فطين عبد الوهاب وإخراجه، ومعهما كمال الشناوي، وثريا حلمي، وميمي شكيب. غير أنه أثناء التصوير فوجئ بشقيقه محمد يحضر إلى الأستوديو ليخبره برحيل والدته، فنزل عليه الخبر كالصاعقة، وسقط مغشياً عليه، ونُقل إلى المستشفى، حيث اكتشف أنه مريض بداء السكري، ونصحه الأطباء بضرورة الحفاظ على صحته واتباع حمية غذائية خاصة. غير أنه لم يستطع الخضوع لأوامر الأطباء لأنه كان عاشقاً للطعام. ما إن استرد عافيته، حتى ضرب بكلام الأطباء عرض الحائط، وهو ما بدأت شقيقته تعانيه معه:

= أنت كده هتموت نفسك يا أخويا.

* سيبك. ما حدش بيموت ناقص عمر.

= لكن الدكتور منبه إنك لا تأكل مسبك ولا حلويات.

* اللي هيمشي ورا كلام الحكما لا هيروح ولا هييجي... هي الدنيا إيه غير لقمة حلوة. ما حدش واخد منها حاجة. على رأي الريحاني الله يرحمه.

لم يستطع القصري أن ينفذ شيئاً من أوامر الأطباء، سوى تخفيض عدد الأفلام التي يقبلها، كي لا يرهق نفسه في العمل، فاضطر في عام 1952 إلى قبول خمسة أفلام فقط من بين ما عرض عليه، أولها «الأستاذة فاطمة»، قصة وسيناريو علي الزرقاني وحواره، وإخراج فطين عبد الوهاب، وبطولة فاتن حمامة، مع كل من كمال الشناوي، ثم فيلم «شمشون ولبلب» الذي سحب من دور العرض بعد عرضه بأيام عدة، وتغيَّر اسمه إلى «عنتر ولبلب» وأعيد طرحه بالاسم الجديد. شارك في بطولته كل من محمود شكوكو، وحورية حسن، وسراج منير، وعبد الوارث عسر، والراقصة ببا إبراهيم. كتب قصته وأخرجه سيف الدين شوكت، فيما تولى السيناريو والحوار ريمون قربة.

قدّم القصري بعده «على كيفك»، أول إنتاج للفنانة ليلى فوزي، وبطولته مع كل من تحية كاريوكا ومحسن سرحان، قصة وسيناريو أبو السعود الإبياري وحواره، وإخراج حلمي رفلة. ثم عاد للتعاون مع صديقه إسماعيل ياسين في فيلم «بيت النتاش»، قصة علي كامل فهمي، سيناريو محمد متولي وحواره، ومعهما كل من شادية، وزينات صدقي، ومحمد كمال المصري، كذلك شاركه بطولة فيلم «عشرة بلدي» ومعهما محمد أمين، إلى جانب هدى شمس الدين، ومحمد التابعي. وفي ليلة العرض الأولى، في 28 يوليو 1952، صعد الأبطال إلى خشبة المسرح، وقدّم إسماعيل ياسين تهنئة خاصة لثورة 23 يوليو وضباطها الأحرار، وغنى محمد أمين ورقصت هدى شمس الدين، فيما أمسك القصري بالعصا وراح يرقص لأول مرة أمام الجمهور احتفالاً بقيام الثورة.

أدى عدم قبول عبد الفتاح القصري أفلاماً عدة مما كان يُعرض عليه إلى إحجام المنتجين والمخرجين عنه. وفي عام 1953 لم يتلق سوى أربعة أعمال، قبلها كلها. كانت البداية بفكرة طرأت على رأس إسماعيل ياسين بإعادة تقديم مسرحية أطلقها نجيب الريحاني عام 1934 بعنوان «الدنيا لما تضحك»، وكتبها بالمشاركة مع صديقه بديع خيري. جسّد ياسين الدور الذي أداه الريحاني، واستعان بعبد الفتاح ليقدم الدور الذي كان قدّمه هو مع الريحاني قبل نحو 20 عاماً.

أعد مسرحية «الدنيا لما تضحك» للسينما بديع خيري، وأخرج الفيلم عبد الجواد، وشارك البطلين في البطولة كل من نجاح سلام، وشكري سرحان، وستيفان روستي، وزينات صدقي، وحقّق الفيلم نجاحاً مدوياً فاق نجاح أفلام إسماعيل ياسين كافة، سواء في أدوار ثانية أو بطولة مطلقة كان اتجه إليها أخيراً.

كان الفيلم الثاني للقصري خلال هذا العام بعنوان «نساء بلا رجال» قصة إحسان عبد القدوس، سيناريو نيروز عبد الملك وحواره، وإخراج يوسف شاهين. اضطر القصري إلى قبوله على مضض، لأنه أحد الأعمال الأربعة التي عرضت عليه، إذ لم يكن الفيلم أو الدور كوميدياً، فجسّد دور «سلامة البقال»، وارتجل الكثير من الجمل الضاحكة لتخفيف حدة دوره على الأقل، وسط أحداث الفيلم القاتمة.

شارك معه في البطولة كل من هدى سلطان، وعماد حمدي، وكمال الشناوي، وعلوية جميل، وزوزو حمدي الحكيم، والمطرب عادل مأمون، إضافة إلى بطلة الفيلم ومنتجته ماري كويني، التي قررت بعد انتهاء العمل أن تعتزل التمثيل نهائياً، ليكون آخر أفلامها كممثلة.

بعده عاد القصري للتعاون مع إسماعيل ياسين في «حرام عليك»، من تأليف غصين محمود حمدي، وإخراج عيسى كرامة، مع كل من نبيل الألفي، وسناء جميل، ولولا صدقي، وستيفان روستي. وأنهى هذا العام بفيلم «مليون جنيه»، من تأليف حسين فوزي وإخراجه، وبطولة كل من نعيمة عاكف، وشكري سرحان، ومحمود شكوكو، وزينات صدقي، ومحمود المليجي، وزوزو شكيب، وسميرة أحمد.

مساندة صديق العمر

مثلما أعاد القصري تقديم مسرحية الريحاني «الدنيا لما تضحك» مع إسماعيل ياسين، وافق على إعادة إطلاق مسرحية «حسن ومرقص وكوهين» التي قدّمها الريحاني للمسرح عام 1945، ولكن هذه المرة سينمائياً مع صديقه وزميله في فرقة الريحاني الفنان حسن فايق، الذي قدّم دور الريحاني، فيما تولى القصري شخصية «حسن»، ومحمد كمال المصري دور «مرقص»، وستيفان روستي دور «كوهين»، بالمشاركة مع كل من شكري سرحان، وعايدة عثمان، إضافة إلى زينات صدقي، ونجوى سالم، وزميلتيه في فرقة الريحاني.

أعدّ المسرحية للسينما بديع خيري، وأخرجها فوزي الجزايرلي. ما إن عرض الفيلم، حتى حقق نجاحاً كبيراً، إذ أعاد إلى الأذهان روائع نجيب الريحاني، ومن خلال فرقته التي تكوّن منها معظم أبطال الفيلم. بعد ذلك، فوجئ القصري بصديقه إسماعيل ياسين يطلب لقاءه بإلحاح، فظنّ أن السبب فيلم جديد كالعادة، غير أنه سمع ما لم يتوقعه:

* قول كمان... سمعني كويس.

= هي سيرة أبو زيد يا عبد الفتاح... بقولك باختصار نويت أعمل فرقة مسرحية... وبسألك عن رأيك في الخطوة دي... ولو موافق تشتغل معايا في الفرقة؟

* ما أنا فاهم... أنا بس بدور الموضوع في دماغي.

= طالما بتدور الموضوع في دماغك يبقى أنت قلقان.

* مظبوط.

= قلقان إني أعمل فرقة دلوقت ولا إنك تشتغل معايا؟

* لا ده ولا ده!

= هي فزورة ما تتكلم يا عبد الفتاح.

* شوف. مسألة أني أشتغل معاك دي مفروغ منها، ده غصب عنك مش بخطرك... لكن أنا بدي أقول إن أنت نجحت في السيما نجاحاً كبيراً... ولو ما كانش المسرح الذي هتعمله زي السيما وأكتر شوية يبقى ملوش لازمة... وكمان في حاجة مهمة لازم تحطها حلقة في ودنك... صحيح الريحاني نجح نجاحاً ما حصلش قبله ولا بعده... لكنه ما عملش النجاح ده لوحده... عمله بفرقة الريحاني.

= طبعاً فاهم ده كويس أوي... أمال أنا جايبك وبكلمك ليه؟

* ما قولتلك سيبك مني... المهم تحضر الروايات اللي هتقدمها كويس.. وتشوف بقية الفرقة.

آنذاك، حاول بديع خيري لمّ شمل فرقة الريحاني مجدداً، بعد توقف عروضها منذ رحيل نجيب الريحاني، ونجح في ذلك فعلاً، ليعيد تقديم تراث الفرقة عبر المسرحيات التي كتبها سواء بمفرده، أو تلك التي شارك في كتابتها مع الريحاني. غير أن عبد الفتاح القصري رفض رفضاً قاطعاً الوقوف أمام أي ممثل مهما كان اسمه أو حجم نجوميته، ليكون بديلاً لصديقه الراحل نجيب الريحاني. ورغم المحاولات كافة التي بذلتها نجمتا الفرقة ماري منيب ونجوى سالم باعتبارهما صديقتين مقربتين من القصري، فإن قراره كان الرفض التام، فيما وافق أعضاء الفرقة بلا استثناء على العمل مجدداً بأبطال جدد يحلّون محلّ الريحاني.

وجد إسماعيل ياسين الفرصة سانحة له لإنشاء فرقة مسرحية باسمه، خصوصاً بعدما خلت الساحة باعتزال علي الكسار المسرح، ورحيل نجيب الريحاني. من ثم، اتفق مع صديقه الكاتب أبو السعود الإبياري على تكوين فرقة مسرحية تحمل اسمه «فرقة إسماعيل ياسين» وقررا أن يجذبا إليها أفضل العناصر الفنية الموجودة على الساحة، فلم يجدا أفضل من الفنانين الذين شاركوا نجيب الريحاني في تاريخه المسرحي. لكن لا بد من أن يتوافر دافع لترك فرقتهم للعمل في أخرى وليدة. في هذه الحال، كان المال هو المنقذ، فقرّر أبو السعود الإبياري أن يدفع لهم خمسة أضعاف ما يتقاضونه في فرقة الريحاني، فقبل معظمهم، فيما بقي البعض مستمراً من أجل اسم «نجيب الريحاني».

لم يكن عبد الفتاح القصري بحاجة إلى الإغراء بالمال كي ينتقل إلى فرقة إسماعيل ياسين، فهو ترك الفرقة منذ رحيل نجيب الريحاني قبل خمس سنوات، إضافة إلى أن أكثر من 90 % من أعماله السينمائية في السنوات الأخيرة كانت بالمشاركة مع ياسين. لذا لم تكن لديه مشكلة في الموافقة فوراً على الانضمام إلى فرقة صديقه، وبدأ في تقديم أول أعمالها خلال الموسم الصيفي عام 1954.

عودة للنجاح

في 11 نوفمبر 1954، ارتفع الستار لبدء أول عمل مسرحي تقدمه الفرقة الجديدة باسم «حبيبي كوكو»، وتطلق به موسمها الأول بمشاركة كل من عبد الفتاح القصري وزينات صدقي، وتحية كاريوكا، وحسن فايق، وسميحة توفيق، من تأليف أبو السعود الإبياري، وتمثيل ستيفان روستي وإخراجه.

نجحت المسرحية نجاحاً فاق التوقعات، فولدت فرقة إسماعيل ياسين عملاقة، وأصبحت تقدّم مسرحية كل شهرين، واستقطبت خلال أشهر معظم نجوم فرقة الريحاني.

جاءت المسرحية الثانية بعنوان «ركن المرأة» التي استوحاها المؤلف أبو السعود الإبياري من البرنامج الإذاعي الشهير «ركن المرأة»، وشارك في بطولتها إلى جانب إسماعيل ياسين، وعبد الفتاح القصري، كل من سميحة توفيق، وزينات صدقي، وعدلي كاسب، وفردوس محمد، ومحمود لطفي، وعبد المنعم إبراهيم، وحسن مصطفى.

نجاح عبد الفتاح القصري في مسرح «إسماعيل ياسين» أعاده إلى أذهان الجمهور، بل إلى أذهان المنتجين والمخرجين، فعرضت عليه خلال هذا العام ثمانية أفلام هي «المحتال، وأسعد الأيام، وكدبة أبريل، والعمر واحد، والأستاذ شرف، وتحيا الرجالة، والست عايزه كده، والآنسة حنفي». وكان الأخير مع صديقه إسماعيل ياسين، من تأليف جليل البنداري، وإخراج فطين عبد الوهاب، وحقّق نجاحاً غير مسبوق.

مع النجاح الكبير الذي حققه القصري في المسرح والسينما، كان من المفترض أن تُعرض عليه في العام التالي 1955 أعمال كثيرة. ولكن على العكس لم يقدم خلال هذا العام سوى فيلم واحد ومسرحية واحدة، والأخيرة مع فرقة «إسماعيل ياسين» بعنوان «صاحب الجلالة»، من تأليف أبو السعود الإبياري، وإخراج السيد بدير، ومعهما كل من حسن فايق، وستيفان روستي، ولولا صدقي، وزينات صدقي، ومحمود المليجي، وسناء جميل. أما الفيلم فجاء بعنوان «إسماعيل يس يقابل ريا وسكينة»، وتولى تأليفه أبو السعود الإبياري، وإخراجه حمادة عبد الوهاب.

في العام التالي، قدّم فيلمين، الأول مع إسماعيل ياسين بعنوان «متحف الشمع»، والثاني «القلب له أحكام» مع فاتن حمامة، غير أنه فوجئ بصديقه المخرج أحمد بدرخان يعرض عليه دوراً لم يتوقعه في «مصطفى كامل»:

* هاهاها... أنت بتقول إيه يا أستاذ؟

= إيه اللي بيضحك في كلامي يا سي عبده؟

* اللي بتقوله يا أستاذ. عايزني أنا أمثل شخصية زكي باشا مبارك؟

= وفيها إيه؟ أنت ممثل كبير تعمل أي دور.

* ما قلناش حاجة. لكن لما أنا أعمل دور باشا... زكي رستم يعمل إيه. خليني أنا لدور معلم... جزار، قهوجي، مقاول هدد... لكن باشا! أهو دا اللي مش ممكن أبداً.

إسدال الستار

كان عبد الفتاح القصري من الذكاء لدرجة أنه عرف ماذا يريد منه الجمهور، وكان ذلك سرّ نجاحه في أدواره التي قدّمها عبر تاريخه، إذ حرص على الظهور في النوعية التي أحبها المشاهد، حتى لو كلفه ذلك قبول أعمال قليلة.

قدّم خلال عام 1957 فيلمين ومسرحية مع صديقه إسماعيل ياسين: «إسماعيل ياسين في جنينة الحيوانات»، و»ابن حميدو» ونجح فيه بشدة لدرجة أن النقاد قالوا إنه استطاع أن يسرق الكاميرا من بقية النجوم، سواء أحمد رمزي، أو هند رستم، أو زينات صدقي، بل ومن إسماعيل ياسين نفسه، ذلك بسبب ارتجاله جملاً حوارية خرج الجمهور من دار العرض وهو يردّدها. أما المسرحية فقدّمها مع فرقة إسماعيل ياسين وعنوانها «جوزي كداب».

وخلال عام 1958، شارك في ثلاثة أفلام، الأول مع إسماعيل ياسين بعنوان «إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين»، ثم «سلم على الحبايب» مع صباح، وأحمد رمزي، وبعده «أيامي السعيدة» إلى جانب كل من عبد المنعم إبراهيم، والطفلة المعجزة «فيروز» التي صارت شابة تقوم بأدوار الحب والرومانسية.

ما إن انتهى من تصوير الفيلم الأخير، حتى بدأ مع «فرقة إسماعيل ياسين» بتقديم مسرحية «عايز أحب»، من تأليف أبو السعود الإبياري، وإخراج محمد توفيق.

قبل أن يسدل الستار على المسرحية، وفي إحدى ليالي العرض، وبعد نهاية الفصل الأول، وفيما كان عبد الفتاح يستعد للفصل الثاني، دخل إلى حجرته «مسعود» الطفل الذي كفله وقد أصبح شاباً يافعاً ليخبره برحيل شقيقه محمد.

رغم الصدمة القاسية والحزن الشديد الذي أصاب عبد الفتاح، بسبب رحيل شقيقه، فإنه تماسك حتى أكمل الفصلين الثاني والثالث، وأضحك الجمهور كما لم يضحكه سابقاً. ولكن ما إن أسدل الستار حتى انهار وانخرط في البكاء. في صباح اليوم التالي، دفن شقيقه ووقف في السرادق يتلقى العزاء، وسقط بعد ذلك مريضاً، ونُقل إلى المستشفى.

البقية في الحلقة المقبلة