كان للفنان الراحل فريد شوقي تعبير شهير تهتز له قاعات سينما الدرجة الثالثة بالضحك والتصفيق للشجيع، كان ذلك الصفير والضحك يتصاعد مجلجلاً عندما يقسم الراحل فريد شوقي بشرف أمه، وكان شجيع الفيلم الذي هو دائما فريد شوقي يمزج قسمه بنبرة ساخرة وابتسامة ذات مغزى يصل إلى الصالة مباشرة بأن القسم الذي أقسمه الشجيع إما قسم كاذب، أو هو قسم مقدمة لهجوم مقبل من الشجيع على منافسه أو عدوه في الفيلم، وكان دائما الشجيع الذي هو ـ كما سبق أن ذكرنا ـ فريد شوقي يتمتع بحالة مستمرة من التعاطف والتأييد والحماس بين جمهور الصالة المتعطش لأي انتصار يحققه الشجيع.

فهذا الانتصار، أو هذا الضرب الذي يوسعه لغريمه هو حالة يتقمصها المشاهد المتحمس الذي يشعر وكأنه هو الشجيع الذي يوجه هذه العلقة الساخنة، وفي ذهن كل مشاهد شخص يستهدفه في داخله.

Ad

أتذكر دائماً الراحل فريد شوقي عندما أقرأ وأتابع ما يدور من وقت لآخر من أحاديث وجدل، بل و"خناقات"، حول عدم التزام وسائل إعلام وإعلاميين بمواثيق الشرف، ومؤخراً قرأت عن ميثاق شرف جديد اعتمدته إحدى وسائل الإعلام العربية، ويضاف هنا هذا الميثاق إلى مواثيق عديدة وكثيرة أظن أن ذاكرتنا أسقطتها، وإن كانت مازالت قابعة على أرفف المكتبات، أو داخل ملفات الأرشيف التابعة للكثير من المؤسسات والنقابات والهيئات العامة، مواثيق الشرف هذه لن تكون ذات جدوى وقيمة لو لم تكن نابعة من قناعات أصيلة لدى الملتزمين بهذه المواثيق.

عندما كان شجيع الفيلم لصاً فإنه كان يقسم بشرف أمه كذباً، وكمقدمة لفعلة سوداء مقبلة تضاف إلى أفعاله، وعندما كان يقسم بشرف أمه وهو شرير، كان ذلك مقدمة لفعلة شريرة مقبلة، لذلك يظل القسم وكذلك مواثيق الشرف غير ذات معنى ما لم تكن نابعة من واقع اجتماعي صحي، ومهنيين حقيقيين في كل المجالات.

ولن أتحدث هنا إلا عن المهنة التي أمتهنها وهي الصحافة بمفهومها الواسع، فمهما التزمنا، نحن العاملين، في هذه المهنة بمواثيق شرف، فلن تكون ذات جدوى إلا إذا كنا مقتنعين بها ونابعة منا، ولن يكون لها حضور وتأثير إلا إذا اقتنعنا منذ البداية بحقيقة وحدود دورنا تجاه المجتمع الذي نحن فيه، ونعمل من أجل هذه الحقوق التي تتلخص في حق هذا المجتمع في المعرفة الحقيقية غير الملونة بلون سياسي، أو غير المشوهة بغرض أو منفعة، حق المتلقي ـ مشاهداً كان أو مستمعاً أو قارئاً ـ في ألا يتجاوز الصحافي في استخدام الوسيلة الإعلامية ليخلق لديه حالة من الغيبوبة، أو الأوهام الكاذبة، أو التلاعب بمشاعره ودغدغة أحاسيسه من دون منطق أو سند، وأيضاً حق المجتمع وأفراده في أن يكونوا بمأمن من تجاوز أي صحافي أو وسيلة إعلامية في حقه أو حرياته.

هذه هي الخطوط العريضة التي يمكن وصفها بأنها المحددات الرئيسية التي لو التزمنا بها كصحافيين لبات لمواثيق الشرف القائمة أو المقبلة معنى ومغزى، وبدون ذلك لن تكون تلك المواثيق أكثر من قسم اعتاد فريد شوقي في أفلامه أن يستخدمه عندما كان يريد أن يتملص من التزام أو يخدع، أو يكسب تعاطف جمهور الصالة.