يبدأ «المجلس الأعلى للإعلام» اليوم تطبيق قراره الذي يوجب على أية وسيلة إعلامية بدفع غرامة عن كل لفظ خارج يتضمّنه مسلسل تبثه أو فيلم أو برنامج، ووافق المجلس أيضاً على تطبيق «كود أخلاقي» للإعلاميين في حالة مناقشة قضايا خلافية عربية وسيرسله إلى نقابتي الصحافيين والإعلاميين.

رفع المجلس تقريراً مفصلاً بعد تحليل الأعمال الدرامية والبرامج التلفزيونية المختلفة على شاشات الفضائيات خلال الأيام العشرة الأولى من رمضان، وهو يتضمّن عشرات التجاوزات والأخطاء التاريخية والإسقاطات السياسية وغيرها، رآها المجلس كما يزعم خارجة عن السياق وتستوجب العقاب. وأبرز المسلسلات في هذا المجال: «خلصانة بشياكة، وريح المدام، والحلال، وعفاريت عدلي علام، وأرض جو، والحرباية، وقصر العشاق».

Ad

كذلك رصد التقرير إيحاءات جنسية في «ريح المدام، وهذا المساء، والحرباية، وخلصانة بشياكة»، ومشاهد أخرى منافية للآداب في «الزيبق، والحرباية، وخلصانة بشياكة، ولأعلى سعر، ولمعي القط».

أشار التقرير أيضاً إلى أخطاء تاريخية في «الجماعة 2، والزيبق»، بالإضافة إلى إسقاطات سياسية في «خلصانة بشياكة، وكلبش، وعفاريت عدلي علام، من خلال التطرق إلى الفاسدين والديكتاتوريين.

التقرير رصد أيضاً تجاوزات عدة في برنامجي «رامز تحت الأرض» و«هاني هز الجبل»، واتهم هذا النوع من البرامج بالإساءة إلى سمعة مصر. ذلك كله، فضلاً عن رصد مخالفات في إعلانات تجارية واتهامها بالخروج عن السياق الجاذب للمستهلك والتحريض على العنف.

فكاهة واعتداء

علّق الناقد السينمائي طارق الشناوي على التقرير ساخراً أنه فكاهة تسدّ غياب البرامج الكوميدية والمثيرة للضحك في وقت ندر فيه الضحك، فكيف للمجلس أن يحاسب الدراما بمعايير أخلاقية مباشرة؟ وتساءل: «في حال حذف المشاهد التي تحتوي على ألفاظ خارجة من المسلسلات، هل سيستقيم المجتمع؟».

وأردف الشناوي: «قرّر المجلس أيضاً مشاركة الجمهور في المهمة الرقابية، مخصصاً عشرة في المئة من كل غرامة لصالح المواطن الذي يبلغ عن الخطأ، ما يعني وجود 100 مليون مراقب إلى جانب الأجهزة الرقابية!».

وتساءل الشناوي عن سر اتخاذ المجلس قراراً ينتقص من حجمه، رغم أن من المفروض أن مهمته تهيئة المناخ الصحي للإبداع، وبدلاً من التفكير في التطوير اتجه إلى الدخول في الصغائر، مشيراً إلى أن ثمة شريحة من الجمهور ترحب بالقرار وترى أنه تأخر كثيراً، لكن لماذا نزيد الأجهزة الرقابية، فيما الأسرة أصبحت هي الرقيبة وتختار ما تراه مناسباً؟».

المخرج أمير رمسيس رأى أن هذا القرار غير مفهوم، ويحمل اعتداء واضحاً ليس على حرية الإبداع فحسب، بل أيضاً على مؤسسات الدولة نفسها، علماً بأن «الرقابة على المصنفات الفنية» هي من يتوجّب عليها الإلمام بهذه المهمة.

وأشار رمسيس إلى أن القرار يرسخ لفكرة محاكم التفتيش الشعبية على المفكرين والمبدعين، وهو قرار سيىء بل أسوأ قرار أصاب حرية التعبير منذ سنوات، لأن معايير اللفظ الخارج غير ثابتة وغير محددة.

كذلك طالب النقابات الفنية بضرورة الوقوف واتخاذ موقف جاد، مؤكداً أن على وزارة الثقافة أن تردّ على القرار لأنه خارج عن الإطار ويحمل تأويلاً من وجهة نظر القيمين عليه لبعض الجمل في الأعمال، وأن المجلس بمثابة اللجنة العليا للرقابة على الإعلام.

لا يحمل صيغة إعلامية دقيقة

أكّد الخبير الإعلامي د. صفوت العالم أن القرار لا يحمل صيغة إعلامية دقيقة، فلا يصح أن تكون عقوبة اللفظ 200 ألف جنيه، لأن الكلمة لا بد من أن تؤخذ في سياقها المتكامل، والسب والقذف يختلف بين الدراما والإعلانات، فالإعلان رسالة متكررة، ولا بد من أن تكون عقوبته أشد من العقوبة المفروضة على المضمون الدرامي. حتى أن ثمة كلاماً منمقاً لا يحتوي على أية إساءة صريحة لكن مضمونه يحمل قيمة معيبة وهابطة. من ثم، لا بد من توافر تدرج وتنوع في العقاب.

كذلك طالب بضرورة تحليل الصورة، إذ من الممكن أن تكون الحركة فيها أسوأ عشرات المرات من الكلمة المعيبة. كذلك يجب الالتفات إلى وضع الكلمة في إطار البيئة المحيطة وضرورة أن يتفهم أعضاء المجلس طبيعة الدراما.

العالم أشار أيضاً إلى أن تحديد يوم لتنفيذ القرار أمر مضحك، مؤكداً رفضه إصداره بهذه الطريقة، وأننا نشهد راهناً فرقعة إعلامية.