إن كان الفساد يعني استغلال السلطة من أجل المنفعة العامة فإن معظم الساسة الجدد اليوم في العراق الذين تحولوا فجأة من مجرد لاجئين فقراء يعتاشون على الفتات الذي تقدمه لهم "دوائر الهجرة والتجنيس" في الدول الغربية، والذي لم يكد يسد رمقهم ورمق أطفالهم إلى أصحاب نفوذ وسلطة واسعة ومن أصحاب الملايين.

وبعد أن كانوا يسكنون في شقق مهلهلة بسيطة وبإيجار شهري زهيد تدفعه الدولة، أصبحوا يملكون أبراجا مشيدة وبيوتا فاخرة وفللاً كاملة من مجاميعها، وبعد أن كانوا يعجزون عن دفع سعر تذاكر السفر بالطائرات، أصبحوا يملكون طائرات خاصة تنقلهم إلى حيث يريدون، ومن كان يرى حال أحدهم وهو يبيع السجائر و"السبح" والساعات اليدوية في إحدى الدول العربية ليتمكن من أن يعول نفسه وأسرته، وحاله اليوم وهو يملك الملايين ويسيطر على خزائن الدولة وأموالها "المتلتلة"، ويعقد الصفقات بالمليارات ويصرف على المؤتمرات والحفلات الغنائية بالعملات الصعبة، من دون رقيب أو حسيب، فإنه سرعان ما يدرك أنه استغل منصبه وصفته الرسمية أسوأ استغلال للوصول إلى غاياته وأهدافه الشخصية والحزبية والمذهبية، أصبح هؤلاء هم من يهيمنون على مقدرات الدولة ومؤسساتها الحيوية.

Ad

وما يثير الدهشة أن معظم الذين يديرون دفة البلاد اليوم هم من الجماعات الإسلامية "الشيعية"؛ حزب الدعوة "الإسلامية" وتيار الصدر "الإسلامي" والمجلس الأعلى "الإسلامي" وتيار الإصلاح "الإسلامي" والفضيلة "الإسلامية"، ليس فيهم ملحد ولا علماني ولا جاهل أو متجاهل بأمور الدين، ولا فيهم بعثي عروبي ولا وهابي حاقد ولا معاد لفكرة الإمامة والتشيع، كلهم من الدائرة الفكرية الواحدة نفسها، وكل واحد منهم يعتبر نفسه مرجعا دينيا وحجة من حجج الإسلام، ويدّعي العفة والنزاهة مع أن الفساد لا يخرج من بينهم ولا يتعدى سواهم؛ لأنهم هم الحكام الفعليون للبلاد.

فلو كان عندنا نظام قضائي مستقل ونزيه وغير مسيس، قادر على محاسبة هؤلاء المسؤولين الفاسدين، لما وصلت الحال إلى ما هي عليه الآن من تفاقم وتأزم، حيث لا مؤتمر إصلاحيا ينفع معه ولا تشريع برلمانيا يغيره ولا مشاريع تسوية تعيد إليه العافية.

المشكلة أن الفساد بكل أنواعه وأشكاله تحول في العراق إلى ظاهرة اجتماعية وسياسية، ومن أسوأ أنواع الفساد بالطبع "الدكتاتورية الطائفية" التي بدأت تترسخ الآن في العراق وتأخذ أبعادا خطيرة.

في ظل نظام بهذا الشكل يتحول العراق إلى ملك خالص للطائفة لا يشاركها فيه أحد، ومن لا يعجبه فليخرج منه، على حد قول النائبة عن ائتلاف رئيس الوزراء "حنان الفتلاوي" عندما قالت: "العراق بلد الحسين ومن لا يعجبه فليضرب رأسه بالحائط وليخرج منه". هذا النهج الشوفيني في الحكم لا يمكن أن ينجح في بلد متعدد الأعراق والأديان مثل العراق، وقد أفرز أهوالا ومصائب ومقابر جماعية وعمليات "الأنفال" وقصف المدن بالقنابل الكيمياوية سابقا، وسينهي على البقية الباقية من العراق ويحوله إلى دويلات وكانتونات، ثم أثراً بعد عين!

* كاتب عراقي