رغم شعبية قرار وزارة التجارة والصناعة ترخيص الأعمال الحرة المتناهية الصغر (الرخص المنزلية) من ناحية تسهيل أعمال التجارة والمشاريع لشريحة كبرى من الشباب فإن الآثار السلبية على المديين المتوسط والطويل أكثر بكثير من الإيجابيات المرجوة من هذه الخطوة.

فالقرار، وقبل نفاذه عملياً، شهد خلافاً بين جهازين حكوميين هما بلدية الكويت ووزارة التجارة والصناعة، مما كشف جانباً من اختلالات التنسيق بين القطاعات الحكومية حتى في القرارات الفنية البسيطة التي لا تتطلب جهداً كبيراً من التعاون، الأمر الذي أفضى إلى نسف قواعد التراخيص المنزلية من أساسها، بعد أن أعلنت بلدية الكويت، على لسان مديرها العام، أنها اعتمدت مع "التجارة" حظر ممارسة أي نشاط تجاري في السكنين الخاص والاستثماري حفاظاً على عدم تعارض القرار مع مرسوم المخطط الهيكلي للدولة.

Ad

نعم ولا

ورغم التحفظ عن أن تكون مناطق السكن الخاص منافذ تجارية لأنشطة كتصميم الأزياء والمجوهرات وإصلاح الساعات وأجهزة الاتصالات لأنها تستوجب بطبيعة أنشطتها أن تتحول إلى محال تستقبل الزبائن، فإنه لا يمكن فهم كيفية أن قرار تنظيم نشاط الرخص المنزلية لا يمكن مزاولته في مناطق السكن الخاص، وهي بمنزلة "لا ونعم" في الوقت نفسه، مما سيجعل القرار فارغاً من محتواه، وأقرب إلى الدعائية من التنفيذ الحقيقي.

غير أن المشكلة ليست فقط في الرخص المنزلية كنشاط غير ملائم، بل في أنها تعد التفافاً على مشكلة أكبر تتمثل في إيجاد حلول لندرة الأراضي الصناعية والخدمية والحرفية والحاضنات والورش بشكل جذري بدلاً من خلق بيئة قد تعتريها الفوضى في السكن الخاص.

فمسألة توفير الأراضي للمبادرين وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتلك المتناهية الصغر من التحديات الحكومية الصعبة في ظل ارتفاع كلفة الايجارات و"الخلوات" التي توازي ما بين 30 و50 في المئة من رأسمال أي مشروع جديد، مما يقلل من فرص الشباب في العمل الحر، وخصوصاً أن الدولة لم تنفذ تعهداتها السابقة بتوفير الأراضي من خلال قنواتها المتعددة كالهيئة العامة للصناعة والصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، فضلاً عن فشل الحاضنات الحرفية، التي يفترض أن تخصص للمشاريع المتناهية الصغر، في تحقيق أهدافها، وتحولها لاحقاً إلى مجمعات وأسواق لا علاقة لها بأصل المشروع الذي كان يهدف أصلاً لدعم الشباب.

مماطلة الصناعة

معلوم أن الهيئة العامة للصناعة تماطل منذ أكثر من 4 سنوات في عملية توزيع 1036 قسيمة صناعية إلى جانب مليون متر مربع في عدد من المواقع الصناعية والخدمية، فضلاً عن انتظار وضع المخطط الهيكلي للمناطق الصناعية الجديدة وكلها مخصصة للمبادرين وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ويمكن طرحها أيضاً للمشاريع المتناهية الصغر، وخصوصاً أن قانون إنشاء الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة يلزم الهيئة العامة للصناعة بطرح 10 في المئة من أي منطقة صناعية جديدة لمصلحة المشاريع التي يمولها الصندوق، ومن ثم فإن الإسراع في طرح الأراضي الصناعية والخدمية سيكون في مصلحة المبادرين وأصحاب الأعمال مهما صغرت أعمالهم أو كبرت، وهو أفضل بكثير من فوضى تعامل القطاعات الحكومية مع بعضها البعض في ترخيص الأنشطة بالسكن الخاص، مع تنامي المخاوف من أن تفقد المناطق السكنية قيمتها وأغراضها الأساسية إذا تحولت إلى بيئة للأعمال الاستثمارية، بالضبط كما تأثر العديد من المناطق في الكويت كالجابرية وخيطان، مثلاً، عند خلط هذه الأعمال مع السكن الخاص فيهما.

مصداقية بيئة الأعمال

المطلوب ليس تنمية بيئة الأعمال للحصول على ترتيب أفضل في مؤشر التنافسية فقط، بل لتكون بيئة الأعمال وتنمية سوق المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة جزءاً من حل لمعضلات سوق العمل لمصلحة تنمية الأعمال الحرة وألا تشكل هذه المشاريع أعباء إضافية على اختلالات التركيبة السكانية، فضلاً عن الاهتمام بجودة المشاريع التي تقدم قيمة مضافة للاقتصاد والمجتمع وتلك التي تعزز الابتكار.

فالحديث عن المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر ودورها في إيجاد الحل يجر للحديث عن جودة هذه المشاريع وأثرها على القيمة المضافة للاقتصاد وإيجاد حلول لتنويع القاعدة الاستثمارية في السوق من ناحية التركيز على المشاريع الانتاجية، وخصوصاً الصناعية والخدمية والتكنولوجية، للخروج من الطابع الاستهلاكي لمعظم المشروعات الصغيرة والمتوسطة الموجودة حالياً في السوق، مما سيدعم قدراً أكبر من المنافسة والتنوع في بيئة الأعمال، ويحفز الابتكار وطرح الأفكار والمنتجات الجديدة، إذ إن التركيز على المشاريع الاستهلاكية سيدعم كم المشاريع لا نوعيتها، وهذه إحدى سلبيات بيئة المشاريع الصغيرة في الكويت عموماً.

معالجة جذرية

ولذلك لا حل إلا بطرح آلاف الأراضي والمحلات والقسائم للشباب المبادرين لتنفيذ مشاريعهم، وأن يكون دور الدولة مشرفاً على ضمان أن يكون مستغلو هذه الأراضي هم أصحاب الأعمال أنفسهم، وأن تسحب عقود التأجير بالباطن لمنع أي زيادة مصطنعة في تكاليف الإنتاج ومن ثم الأسعار للمستهلكين، إذ إن هذه العقود "من شخص إلى آخر" باتت تجارة متوالية على حساب الغرض الأساسي الذي منحته الدولة للمستفيد الأول، حتى بات المشغل الحقيقي للأرض هو الشخص السادس على قائمة تأجير الباطن والتضمين وغيرها من العقود الثانوية، وهي عمليات

تصطنع الغلاء غير المبرر، وبالتالي كلما طرحت الدولة أراضي جديدة لمستفيدين فعليين تعالج أسعار الإيجارات و"الخلوات" في السوق جذرياً وتصبح بيئة الأعمال سهلة ومتاحة للجميع.

الحلول العوجاء

الحلول العوجاء لا يمكن أن تمثل معالجة لاختلال معين بل بالعكس ربما كانت مفتاحاً لأزمات أكبر تتمثل في تخريب المناطق السكنية وخلق أسواق هامشية وتكريس احتكار الأراضي الصناعية والخدمية كأمر واقع، وكان من الأفضل على الأقل أن تكون الجمعيات التعاونية مثلا حاضنة للمشاريع داخل المناطق السكنية بشكل يراعي احتياجات المستهلكين بحيث تكون الأولوية للمشاريع ذات الطابع الإنتاجي والتي توفر فرص عمل أكثر للشاب الكويتيين، وتقدم خدمة أفضل للمنطقة.