بعد الهدوء النسبي تجاه ملف العلاج بالخارج بدأت نتائج هذه الخدمة تبدو في الأفق، وخصوصاً فيما يتعلق بالفاتورة المالية التي تشوبها الكثير من علامات الاستفهام والشبهات والاتهامات المعلقة، وبالتأكيد فإن الفاتورة السياسية في هذا الملف لا تقل في أهميتها وخطورتها عن البعد المالي الذي كلّف ميزانية الدولة نحو ٨٠٠ مليون دينار خلال السنتين الماضيتين فقط، حسب إفادة مسؤولين في الوزارة وأعضاء مجلس الأمة.

العلاج بالخارج خدمة حقيقية يجب أن تلتزم بها الدولة تجاه مواطنيها، خصوصاً المستحقين من المرضى الذين لا تتوافر خدمات العلاج لمشاكلهم الطبية الخطيرة أو تهدد حياتهم بشكل مباشر، والميزانية المرصودة لهذه الخدمة والمقدرة بـ120 مليون دينار لا تساوي القيمة الحقيقية لما يتم صرفه فعلياً، وبفارق كبير قد يصل إلى أضعاف مضاعفة لهذا المبلغ، وكل ذلك بسبب تحويل هذه الخدمة إلى مقايضة سياسية لشراء ولاء النواب أو غيرهم، الأمر الذي قد يكون على حساب المرضى الذين يستحقون أن يوفدوا لاستكمال علاجهم في مستشفيات عالمية وذات كفاءة عالية في مجال الأمراض الخطيرة.

Ad

عدد من المستشفيات العريقة في أوروبا والولايات المتحدة أغلقت أبوابها أمام المرضى الكويتيين ممن يتم إيفادهم عن طريق الوزارة والمكاتب الصحية، بسبب العجوزات المالية المستحقة التي لم يتم سدادها، في حالة من الإرباك الحقيقي ودخول مؤسسات صحية رديفة وضعيفة على الخط، حتى تدنت مخرجات العلاج بالخارج على حساب صحة المرضى الفعليين، أي بمعنى آخر تحولت سمعة الخدمة الصحية في الخارج إلى حالة سيئة تماماً كما هي الحال بالنسبة إلى الانطباع العام الداخلي عن الخدمة الصحية في الكويت، رغم وجود كوارد طبية متميزة وأجهزة حديثة وأدوية متقدمة جداً في الداخل والخارج، لكن سوء الإدارة والفساد اللذين يحومان حول هذه الخدمة أفقداها قيمتها وأهميتها مما جعلها مثالاً آخر لهدر الأموال العامة والاستثمار الحقيقي الناجح في خدمات الدولة العامة.

الشركات الأميركية ذات العلاقة بالتأمين الصحي تلاحق الحكومة الكويتية بمبالغ تساوي مجمل الميزانية المخصصة للعلاج بالخارج، وطبعاً هذه الشركات خلفها ظهر وسند يحميها ويدافع عن حقوقها، أي أنها ستحصل مستحقاتها رغماً عن أنوفنا، ولو لحقتها الشركات الألمانية والبريطانية والفرنسية في مطالبات مماثلة، فبالتأكيد ستكون هذه الفاتورة كارثية، وارتكبت الوزارة غلطة فادحة أخرى عندما نحت، من أجل تفادي الدول المتقدمة في العلاج، إلى إيفاد المرضى الكويتيين إلى دول قد تكون بمستوى خدماتنا الصحية نفسه أو أقل في آسيا والشرق الأوسط، وهذا يؤكد التخبط المستمر في نزف الأموال العامة على حساب الترضيات السياسية.

تكلفة العلاج بالخارج منذ التحرير إلى الآن قد تكون تجاوزت أربعة مليارات دينار كويتي، وهذا المبلغ فقط كان كفيلاً ببناء أكبر المصحات ذات الجودة العالمية والمطعمة بأحدث التقنيات الطبية وأمهر الأطباء على وجه الأرض، وكان بالإمكان أن نتحول إلى مركز طبي عالمي يستقطب السياحة الصحية، لكن المشكلة في الأمراض المزمنة في العقول والقلوب التي يبدو أنها فقدت الأمل في العلاج حتى في الخارج!