سنوات ونحن نتحدث بأنين عن تجارب الجيران المتطورة ونماذجهم التقدمية العمرانية والمشاريعية الرائعة، سنوات ونحن نحمل على عاتقنا عبء الحرج الناتج عن مقارنة المباني والمشاريع الترفيهية والاقتصادية، سنوات ونحن نسخر من الحال التي وصلت إليها الكويت، حال حاولت الحكومة ومتنفذوها إقناعنا، بطرق غير مباشرة، أن وصولنا إليها كان بسبب الديمقراطية ومجلس الأمة بل حتى الدستور والتي، طبقاً لترويجهم، طالما وقفت حجر عثرة أمام السرعة في الإنجاز.

تعالوا نتحدث اليوم عن نموذجنا الديمقراطي، ببطئه وعقباته ومستغليه، بتناقضات دستوره، بثغرات قوانينه، بحرياته التي أسمعتنا أحياناً كثيرة ما لا نود أن نسمع وأن نرى ما لم نود أن نرى. تعالوا نتأمل كيف أنقذنا نموذجنا المرة تلو الأخرى، بعد حل غير دستوري، بعد أزمة اقتصادية حرجة، بعد غزو فاجع، بعد انتقال حكم حساس، المرة تلو الأخرى يقف نموذجنا، بكل عيوبه، حائطاً منيعاً يحوطنا ويسد عنا رياح الكوارث الأممية، فبقينا وبقيت أرضنا ونظامنا الحاكم في أمان الاتفاق والوفاق حتى بوجود الشوائب العديدة، مظللين بحريات، وإن كانت نسبية، لا تتجلى قيمتها إلا في المواقف الحرجة الخطرة كالموقف الخطير لأيامنا هذه.

Ad

والموقف في أيامنا هذه موقف مصيري، يحتاج إلى مراجعات حقيقية بعيداً عن التعصبات والفزعات. دول الخليج الصغيرة، منمنمة التوزع على ضفاف الخليج الصغير، في طرف من القارة الآسيوية الضخمة، بنفطك الكثير ومالك الوفير، ماذا أنتجت للعالم؟ ماذا صدرت من فكر؟ وماذا عاد إليك الآن؟ إنه زمن مراجعة التحالفات والولاءات، زمن محاسبة النفس قبل الغير، زمن تقييم الوضع بين الديمقراطية والشمولية، زمن تمحيص تهمة "احتضان وتشجيع الإرهاب" التي يتراشقها الأشقاء، فيما هم محتاجون لموقف صريح وشجاع منها.

دول الخليج حلقات في سلسلة واحدة، سقوط إحداها يعني تداعي السلسلة وانفراطها بأكلمها. الشعوب الخليجية، إن كان لديها أقل حس غرائزي بالحفاظ على الحياة، ونعم هي مسألة حياة أو موت، فعليها ألا تنجرف في الصراع السياسي الحاصل الآن، عليها هي، وإن كان بحكم قرابتها وتناسبها وتعايشها الجغرافي والثقافي، أن تقاوم لغة الحقد السائدة وأن تصر على حكامها أن يجلسوا على طاولة حوار وأن يجدوا حلاً وفي أسرع وقت. الموضوع ليس فزعة، ولا مجال فيه للانقسام وذلك لسبب بسيط أن الفزعة لطرف ضد طرف سوف تحرقنا جميعاً والانقسام سوف يصنع منا فتافيت خبز ستذروها رياح الدول المتربصة، ومن تأخذه الحمية ولا يستطيع رؤية هذه الصورة فهو أعمى بصيرة يقودنا جميعاً من رقابنا إلى حافة الهاوية. الأجدى، عوضاً عن تراشق الاتهامات، أن تجلس دول الخليج مفكرة في سياساتها السابقة والكيفية التي تم بها صرف بترو دولاراتها، فهذه السياسات والكيفيات الجمعية، ومن كل دول الخليج، هي التي أوصلتنا اليوم إلى عنق الزجاجة الذي نتزاحم متضاغطين عنده. أهل الخليج على وسائل التواصل، قبل أيام كان تعصبكم الخليجي لبعضكم البعض لا مثيل له، ماذا حدث؟ أي علاقات هشة تظهرونها للعالم ومع أول خلاف جاد تنقلبون على بعضكم بهذه الصورة؟ اهدؤوا ولا تصبوا الزيت على النار، ستحرقوننا جميعاً.