في 5 يونيو 1967 الساعة 7:45 صباحاً، أطلق سلاح الجو الإسرائيلي العملية العسكرية الجوية، بدءا بالمطارات المصرية، لتشمل بعد ذلك المطارات الأردنية والسورية والعراقية، لتنتهي الساعات الأولى الثلاثين بتدمير 416 طائرة عربية بينها 350 مصرية.

وبعد توجيه الضربة الأولى المباغتة والتقدم بشكل كبير على كل الجبهات، التأم المجلس الوزاري الأمني برئاسة رئيس الحكومة ليفي أشكول ووزير دفاعه موشيه ديان، ودار بحث حول الإنجازات، مع إحساس واضح بنشوة النصر انعكس استعجالا لاحتلال مناطق عربية مختلفة.

Ad

نشوة النصر

ففي هذه الجلسة، أقر المجلس الوزاري احتلال الضفة الغربية حتى نهر الأردن، وحصار البلدة القديمة في القدس (الشرقية)، واستمرار التقدم في سيناء على الجبهة المصرية. وتم تخويل ديان القرار حول احتلال الجولان مع إقرار التقدم حتى الحدود الدولية، وإلغاء ما سمي بالمناطق منزوعة السلاح والتقدم الى تل العزيزات.

انتصار غير متوقع

من سير النقاشات في هذه الجلسة، بحسب أرشيف جلسات الحرب الذي أفرجت عنه السلطات الإسرائيلية في الذكرى الخمسين للمعارك، يستدل أن القيادة الإسرائيلية لم تكن تتوقع هذا الانتصار السريع والتقدم داخل الجبهات العربية، لأنهم كانوا يعتبرون أن حجم الجيوش المقابلة هائل جدا، وتوقعوا نظرا الى الفارق العددي، أن خسائرهم ستكون أكبر بكثير مما كان في اليوم الأول، إذ خسر الإسرائيليون 26 طائرة، وقتل 12 طيارا فقط.

مياه الجولان ولبنان

في هذه الجلسة بالذات، اقترح رئيس الوزراء أشكول التفكير في السيطرة على موارد المياه في الجولان ولبنان، معتبرا أنه عاجلا أم آجلا سوف تسفك الدماء حول المياه، ومقترحا احتلال البانياس والوصول الى نهر الليطاني في لبنان.

وقال أشكول للوزراء إن قصف سورية للبلدات الإسرائيلية في الشمال سيكون ذريعة لاحتلال هضبة الجولان والبانياس والسيطرة على موارد المياه، مضيفا أنه بحث مع ديان التقدم واحتلال تل العزيزات والبانياس والمناطق منزوعة السلاح، والتخلص من طلبات "السيد كول"، في إشارة الى قائد القوات الدولية في الأراضي المنزوعة السلاح، الجنرال كول حينها.

وتحدث أشكول بنشوة عن قيام سلاح الجو الإسرائيلي بتدمير 350 طائرة حربية مصرية في غزة خلال ساعات، مشددا على أنه لا يكفي احتلال شرم الشيخ، وأنه يجب على إسرائيل الاستمرار في التقدم والتوغل داخل كل الجبهات.

انهيار عربي

وتحدث رئيس الاستخبارات العسكرية عن معلومات مصرية تتخوف من عبور إسرائيل لقناة السويس واحتلال بلدات مصرية، وقال إن الجيوش العربية على شفا الانهيار التام، خاصة الجيش المصري بكل تعزيزاته وآلياته بعد شل سلاح الطيران، وأكد أن الجيش جاهز لاحتلال القدس الشرقية، وأن الملك حسين بدأ يفقد الأمل في البقاء صامدا على أي من الجبهات من القدس الى جنين.

رسالة الملك حسين

بعد نقاش حول تكتيكات ميدانية وتقرير من قائد الأركان إسحق رابين حول سير المعارك والاستماع الى جنرالات الجيش، قال المدير العام لمكتب رئيس الحكومة إبراهام ليفافي إن هناك رسالة عبر الأميركيين من الملك حسين يطلب فيها وقف الحرب ضده، لأن وضعه الداخلي صعب، وأنه طلب عدم نشر رسالته في الصحافة، لكنه سيوافق على النشر إذا تمسكت إسرائيل بذلك. كما كشف ليفافي أن الأمين العام للأمم المتحدة طلب تسليم منطقة المندوب السامي شرقي القدس للأمم المتحدة بعد احتلالها من الأردن.

احتلال القدس

أما يغئال آلون الذي كان وزيرا للعمل آنذاك، فقال إنه على الجيش استكمال احتلال كامل الضفة الغربية، وأن مسألة البلدة القديمة في القدس أصبحت محسومة، ويجب إنهاء المهمة بالسيطرة عليها، وأضاف أن "هناك الكثير من الدول القريبة والبعيدة تريد هزيمة ناصر، إلا أنها لن تقول ذلك علناً".

فقال أشكول إن ضم القدس الشرقية يعني ضم الكثير من العرب، ورد آلون: "سأكون سعيدا لو يهربوا من المدينة. يجب ألا نعيد منطقة المندوب السامي للأمم المتحدة، ولا يمكننا أن نرفض تسليمها، بل نقول إن الأمر خطير بسبب الألغام". وهنا شطب رد أشكول الذي عقب عليه وزير الداخلية قائلا: "أي كما كان في عام 1948؟". فرد أشكول: "هذا سيكون صعباً، لكن يجب أن نتخذ الحذر".

300 عام

وقال أحد الوزراء إنه سأل وزير الدفاع: كم من الوقت باستطاعة إسرائيل الاحتفاظ بشرم الشيخ، فأجابه 200 عام، فما كان من ديان إلا أن صحح قائلا: "لا... قلت 300 سنة".

وناقشت الجلسة أوضاع الملك حسين وضرورة عدم القضاء على حكمه، ثم فرض مباحثات سلام عليه، ولكن بعد احتلال القدس القديمة وضمها الى إسرائيل.

وما كان واضحا خلال الجلسة هو أن تفوق الجيش الإسرائيلي زرع ثقة عالية بالنفس وصل الى حد الغرور لدى الجزء الأكبر من الحكومة الإسرائيلية، واصطدمت الأصوات القليلة التي حاولت العودة الى أرض الواقع بإصرار أشكول وديان ومناحيم بيغن وغيرهم على استكمال احتلال الضفة الغربية والقدس وغزة وهضبة الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء المصرية لإخضاع ناصر وسورية والجيوش العربية.

ضرب دمشق

في الأيام التالية خاض الجيش الإسرائيلي معارك قوية استطاع خلالها التقدم بشكل واضح على كل الجبهات، وتمكن من استكمال احتلال الضفة الغربية وهزيمة الجيش المصري واحتلال كل سيناء وغزة والقدس وإعلان توحيدها، وبدأت الحكومة نقاشات ماراثونية حول مصير هضبة الجولان وسورية.

واقترح يغئال آلون التوجه لضرب دمشق لإخضاع السوريين، إلا أن أشكول وديان وبار ليف أرادوا استكمال العمل العسكري على الجبهة السورية حتى ساعات الظهر من يوم 10 يونيو، بسبب ضغوط دولية ومطالب وقف إطلاق النار في الأمم المتحدة. وعقدت جلسة فجر 10 يونيو طرح خلالها العسكريون كل الإمكانات في الجولان، وكيف يمكن إنهاء المهمات من دون التقاء القوات الإسرائيلية من الشمال والجنوب في الهضبة، والاكتفاء بما احتلت حتى العاشر من يونيو الساعة الثانية عشرة ظهرا، ولكن إن استمر السوريون بالقصف فإن إسرائيل ستقصف المدن السورية ونوقشت مسألة قصف دمشق والقنيطرة كتحذير.

في ليل 10 يونيو، عقدت جلسة تقرر فيها وقف النار، إلا أن ديان كان قد أعطى الأوامر لاحتلال كل هضبة الجولان، بما في ذلك القنيطرة، خلافا للخطة الأولى القاضية بالتقدم الى موارد المياه.

استنتاج

من قراءة البروتوكولات والنقاشات التي دارت يمكن القول إن إسرائيل لم تكن تحلم بمثل هذا النصر الذي وصفه أحد الوزراء أنه الأهم في تاريخ الشعب اليهودي. نشوة الانتصار كانت كبيرة، والشعب الإسرائيلي شارك في هذا الشعور، وهنا تولدت أسطورة الجندي الإسرائيلي الذي لا يقهر، كما اكتسب المجتمع الإسرائيلي مناعة قوية واستخفافا بالعرب، خصوصا بسبب روايات الإعلام الكاذب والملفق ومحاولات التضليل الفاشلة.

في هذا السياق، قال يغئال آلون إن إسرائيل حاربت وحدها هذه المرة على عكس حرب الـ 1956 (العدوان الثلاثي) التي نالت خلالها دعما من فرنسا وبريطانيا، من ناحيته، أشار ديان الى أن جمال عبدالناصر الذي كان يرفض طلب وقف النار، لأنه تعهد بالقتال الى آخر جندي اعترف أخيرا بالهزيمة ووافق على وقف النار.