الاحتفاء بفوز دولة الكويت بمقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي حق مشروع لكل كويتي، وإنجاز جديد يسجل للدبلوماسية الكويتية، بل يضيف إلى رصيدها التاريخي المتراكم على مدى عدة عقود من الزمن، فقد عرفت الكويت بتوازنها وحيادها في السياسة الخارجية منذ الاستقلال وبقيادة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد طوال توليه وزارة الخارجية، وكانت من الدول الصغيرة في العالم التي تحرص على التحليق في الفضاء الخارجي بجناحين متوازنين على الرغم من صعوبة مثل هذا القرار خلال فترة الحرب الباردة التي شطرت العالم برمته إلى معسكرين متضادين ومتنافسين بل متعاديين في الكثير من الأحيان، فكانت الكويت الدولة الوحيدة في منطقة الخليج التي تتمتع بعلاقات دبلوماسية كاملة مع الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والصين الشعبية معاً، هذا المثلث الخطير الذي استقطبته الأيديولوجيات الحادة والمتصارعة متمثلة بالرأسمالية الغربية والاشتراكية العالمية والشيوعية الثورية.

على الصعيد الإقليمي رسمت دولة الكويت مسافات متقاربة بين القوى الكبيرة بكل ما حملت من صراعات بينية على زعامة المنطقة، وفي أتون حروب مباشرة أو بالوكالة، ففرضت مصداقيتها واحترامها، كما استغلت دبلوماسية الدينار كأداة أساسية في السياسة الناعمة لتشارك شقيقاتها وأصدقاءها في دول العالم الثالث أعباء الخروج من تحديات التخلف والفقر والمشاكل الاقتصادية، فكسبت مشاعر وقلوب شعوب العالم لا نخبها السياسة والحاكمة فقط.

Ad

لهذا فإن رصيد الدبلوماسية الكويتية غني بالسمعة الإيجابية والمصداقية في القيم والمواقف على الرغم من عدم بلوغها قمة الكمال في عالم تعصف به توازنات القوى وضغوطها وتحولاتها السريعة، ولعل السياسة الخارجية الكويتية تمثل نقاط التقاء ليس بين الحكومة والتيارات السياسية والشعبية الوطنية فقط، بل حتى بين عامة أفراد المجتمع الكويتي رغم الخلافات الكبيرة والحادة أحياناً في الشأن الداخلي.

لذا تبقى عضوية الكويت في مجلس الأمن نصراً دولياً رمزياً، فهذه المؤسسة الأممية المنوط بها أهم أهداف السياسة الكونية في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين تبقى أسيرة الدول الكبرى صاحبة الأمر والنهي لما تملكه من حق النقض أو الفيتو، لكن يظل مجلس الأمن منبرا عالميا للتعبير عن مواقف دولة الكويت في القضايا الدولية بجرأة ووضوح، والتحدي الأكبر الذي يواجه الدبلوماسية الكويتية في عضوية مجلس الأمن لمدة سنتين يتمثل بالقضايا الحساسة والأزمات الكبرى التي بدأت تصدع الجدار العالمي ومواقف الدول الكبرى منها، وخصوصاً الحروب المستمرة في منطقة الشرق الأوسط والإرهاب والتمرد الأميركي الصريح على الإجماع الدولي، وآخرها انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس الخاصة بالبيئة والاحتباس الحراري.

نتمنى للدبلوماسية الكويتية التي أجمعت الأسرة الدولية بالكامل تقريباً على اختيارها لتمثيل قارة آسيا العملاقة، ومنها تمثيل العالم بأسره في مجلس الأمن الدولي، النجاح، وتثبيت أسس المصداقية الكويتية العريقة فيما تتخذه من مواقف عملية إزاء مختلف القضايا العالمية، كما نتمنى أن تنعكس هذه السمعة الخارجية الطيبة على أداء الحكومة محلياً، التي أصبحت من خلال مقعدها الجديد عضوا في الحكومة العالمية، في الداخل الكويتي وما نواجهه من مشكلات مزمنة، فلا خير فينا أن ننجح في الخارج في حين نفشل في الداخل!