15 مايو من كل عام هو يوم تستعد له وسائل الإعلام المختلفة والجمعيات السياسية والثقافية المختلفة، فهذا اليوم هو ذكرى تاريخ النكبة، نكبة فلسطين أم نكبات العرب، وذكرى النكبة هي إحدى المناسبات المتعددة التي يستحضر فيها العرب آلامهم وإخفاقاتهم، ومع مرور السنين تراجع الإحساس بعظم المصيبة، وبات التعامل مع يوم النكبة كيوم احتفالي، نتذكر فيه مآسي الشعب الفلسطيني، وتاريخ الإخفاقات العربية، حيث باتت هناك قائمة ثابتة لدى وسائل الإعلام العربية المختلفة تدور حول العناصر التالية: ماذا حدث في حرب 48؟، أوضاع اللاجئين ومخيماتهم، ماذا قدمت الدولة ـ صاحبة وسيلة الإعلام ـ من تضحيات من أجل قضية العرب؟، كيف أفسد وأضاع الآخرون القضية بسياساتهم؟

وتكون هذه مناسبة لاستضافة القيادات الفلسطينية الحالية ـ رغم أنهم ليسوا في حاجة إلى مناسبة للظهور الإعلامي ـ يملأون الشاشات وصفحات الجرائد للحديث عن تاريخهم وتاريخ منظماتهم في النضال من أجل القضية الفلسطينية، وهي أيضا مناسبة طيبة للغمز واللمز في الفصائل الأخرى التي إما باعت القضية أو أفسدت نضال الرفاق في الفصائل الأخرى.

Ad

وهكذا تمضي أيام المنتصف من شهر مايو من كل عام في هذه الحالة من استحضار الذكرى ونصبح في حالة من البكائيات التي من طول وتكرار الاحتفال بذكرى النكبة باتت بلا أثر ولا طعم.

ويأتي منتصف مايو هذا العام في أعقاب انعقاد لقاءات بين سيد البيت الأبيض الجديد وزعماء العالم العربي، بمن فيهم الرئيس الفلسطيني الذي سعد كثيراً بنداء ترامب له بـ"الرئيس"، وبعدها لقاء الرئيس الأميركي بزعماء الخليج والعالم الإسلامي، والجميع تحدث عن أهمية حل القضية الفلسطينية كأساس ليعم السلام والاستقرار المنطقة.

طوال العقود السابقة انفردت إسرائيل بالساحة تطرح فيها رؤيتها المقبلة، بل وتتخذ الخطوات الفعلية لتنفيذ هذه الرؤية، ويتعاون معها الفرقاء الفلسطينيون ـ بفرقتهم ـ في تنفيذ هذا المخطط.

إذا ما نظرنا إلى نقاط الخلاف الفلسطيني القائمة حاليا فسنجدها تتركز حول النزاع على السلطة والقوة، وهي سلطة وقوة في دولة لم توجد بعد، ويبدو أنهم يساهمون وهم يدرون أو دون أن يدروا في ألا توجد أبدا.

الحال انتهى في فلسطين، بل فيما تبقى من أرض فلسطينية، بحالة من تكريس الانقسام، بقطاع تسيطر عليه "حماس" نسبيا، ولن تصل إلى مستوى قوة أعلى يمكنها من السيطرة الكاملة أو امتلاك قوة تمكنها من الخروج خارج حدود القطاع، وجزء تسيطر عليه "فتح" التي تمتلك قوة نسبية في الضفة تنازعها فيها قوى أخرى، وهي أيضاً قوة لن تمكنها من فرض السيطرة الكاملة على الضفة، أو التجاوز إلى خارج حدودها، وهي أيضاً قوة لن تمكنها من الحضور ولا السيطرة، في قطاع غزة، يضاف إلى ذلك معاناة كل حركة منهما منفصلة من حالة انشقاق داخلي، وهكذا باتت المعادلة وجود فصيلين يسيطران في حدود، كل على جزء من الأرض المتبقية للتفاوض دون أن ينازع الطرف الآخر سلطته أو قوته في منطقةٍ يعتبرها منطقة سيطرته، وهذا يعني في النهاية مجرد سلطة مقسمة ومنقوصة على أجزاء من وطن لا يريدون هم ولا من يعتبرونه العدو أن تتوحد، ويبدو الأمر كأن أصحاب الشأن لا يريدون هم أيضاً إلا أن يمتلكوا قوة حتى لو كانت منقوصة.

مرة أخرى، الأمر يبدو كأنه استمرار لحالة البكائيات، ليس فقط على ما مضى، ولكن على أيام أخرى صعبة يدفع فيها أصحاب القضية أنفسهم، أو قياداتهم، إلى جعل حلم الدولة يتآكل مع مر الأيام.