لم تنتظر أنجيلا ميركل، أو "قائدة العالم الحر" كما تُعرف اليوم، طويلاً بعد زيارة ترامب لتوضح أن المسائل تبدلت، فقد أخبرت حشداً من 2500 شخص في ميونخ، حيث انطلقت بحملتها الانتخابية الجديدة، أن على الاتحاد الأوروبي راهناً الاستعداد للاهتمام بنفسه، وأنه ما عاد قادراً على الاعتماد على المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

هذا حقاً تصريح بالغ الأهمية من قائدة لا تحب المبالغة، ولا شك أنها لن تقدّم أي دعم لترامب في المستقبل القريب،

Ad

ويُقال إن لقاءها بأوباما في اليوم ذاته مثل ترامب جاء مصادفة، فقد احتاجت المستشارة الألمانية بعض الوقت لتقيم علاقة صداقة مع أوباما، وقد كرهت على ما يبدو "الأجواء" المحيطة به عندما انتُخب أول مرة وأرادت علاقة تقوم أكثر على "الحوار"، وهذا ما حصلت عليه.

عندما نراقبها في قمة مجموعة الدول السبع، نلاحظ أن فطنتها السياسية، وسلاستها، وقدرتها على عقد الصفقات، وعلاقاتها مذهلة بالفعل، كانت ميركل تبدو في بيئتها الطبيعية، في حين راح ترامب يتنقل في أوروبا بعرضه الفظ، معرباً عن جهله بلغات الآخرين وثقافاتهم ومبادئ اللياقة الأساسية.

عرف بوتين أن ميركل تخاف الكلاب، لذلك أحضر معه كلب "لابرادور" للقائها عام 2007، ولكن لم يرف لها جفن. ذكرت لاحقاً: "أُدرك سبب قيامه بذلك، إذ أراد أن يبرهن أنه رجل، ويخشى ضعفه الخاص". ولا عجب أن ماكرون نجح في تلك الالتفاتة المميزة الأسبوع الماضي عندما سار مباشرةً نحو ترامب إلا أنه حيّا ميركل أولاً.

لا يحبها الجميع بالتأكيد، فقد شعر الأيرلنديون، والبرتغاليون، واليونانيون، والإسبان، والإيطاليون بقوة إلحاحها من خلال تدابير التقشف الصارمة التي اضطروا إلى الالتزام بها كثمن لانتمائهم إلى الاتحاد الأوروبي، حتى إن المتظاهرين اليونانيين رفعوا في إحدى المراحل صوراً لها مع شارب هتلر. أما سياساتها التوسعية، التي تقضي بأن يسعى كل بلد ليكون بثراء ألمانيا، فكبّدت الدول التي تعتبرها ميركل متهورة مالياً كلفة كبيرة.

لكن هذا بالتحديد ما يجعل ميركل بارعة في إدارة الأزمات، فلا تهوى المستشارة الألمانية المبالغة، إلا أنها تملك رؤية، وثقلاً أخلاقياً، ومضموناً عميقاً، مما أتاح لها تطبيق سياسة استقبال اللاجئين التي تطلبت حقاً جرأة كبيرة.

عندما سُئلت عما إذا كانت من مناصري حقوق المرأة فيما كانت تجلس إلى جانب إيفانكا ترامب، رفعت هذه الأخيرة يدها في الحال وأكدت أنها كذلك، أما ميركل التي حققت الكثير للمرأة فترددت ثم قالت: "إذا ظننتم أنني كذلك، فصوتوا على هذا الأساس". يخبر أصدقاؤها أنها لطالما اعتقدت أن دراستها ونشأتها في ألمانيا الشرقية، حيث اعتُبر عمل المرأة طبيعياً، حررتاها. ولا يحتاج زوجها يواكيم سوير، بروفيسور متخصص في الكيمياء النظرية، إلى أي مرافقة أمنية. فحياته بعيدة كل البعد عن الأضواء. علاوة على ذلك، لا تبدو صورها وهي تتناول رقاقات البطاطا، وتتحمس لكرة القدم، وتتناول المشروب، متعمدة. هذه طبيعتها مع أنها ما عادت تدخن أو تقضم أظافرها كما اعتادت في شبابها، ويُضاف كل ذلك إلى تفردها الذي ساعدها في البروز في صفوف حزبها.

وانظروا إلى أين وصلت اليوم، فبخلاف رئيسة الوزراء البريطانية تستطيع ميركل اليوم أن تعارض ترامب مباشرةً وتقول له إن دولته الأميركية ما عادت صديقة لأوروبا.

يا لها من امرأة مذهلة! تقول إنه ما من مشاكل بل "مهام" يلزم حلها، فيما تجلس كاتبةً الرسائل النصية بسرعة في الاجتماعات، كما ترفض ميركل أن ترى نفسها قائدة، بل تفضل تصنيف نفسها جزءاً من طبقة تتمتع بثقل سياسي كبير. لكنها تزداد تفرداً وتميزاً بمرور الوقت، وعندما أتأملها تخطر فكرة واحدة في بالي: هذا ما تعنيه القوة والاستقرار حقاً.

* «سوزان مور»