تُراوح قضية تنسيق وتوحيد الرواتب للوظائف المتشابهة في الدولة، أو ما اصطلح على تسميته "البديل الاستراتيجي"، منذ سنوات بين أروقة الحكومة ومجلس الأمة دون إقرار قانون بشأنه، وسط مقاومة شديدة من أصحاب الوظائف التي حصلت على امتيازات مالية وعينية ضخمة وكوادر مميزة، وخاصة في القطاعين النفطي والأكاديمي (جامعة الكويت والمعاهد التطبيقية) وسلك القضاء والفتوى والتشريع وعدة جهات أخرى، فيما يطالب أصحاب المؤهلات المتشابهة بمساواتهم بنفس الأجور التي يحصل عليها نظراؤهم في تلك الجهات.

بالتأكيد، التفاوت الكبير في الأجور بين أصحاب المؤهل الواحد خلق مشكلات اجتماعية واقتصادية، وأحياناً تجد خريجَين لنفس التخصص يحصل أحدهما يعمل في جهة حكومية على أجر يساوي ثلاثة أضعاف أجر زميله في جهة حكومية أخرى، وربما يكون الأخير تقديره الدراسي أعلى من زميله الآخر!

Ad

هذا الظلم الذي يقع على معظم الشباب يقتل لديهم الطموح والاجتهاد في التحصيل العلمي، وكذلك الإبداع في العمل، وخاصة أن التعيينات في الجهات الحكومية المتميزة برواتبها لا تتم للأعلى تقديراً دراسياً.

واقعياً، فرض ما يسمى "البديل الاستراتيجي" سيكون شبه مستحيل، والأفضل منه هو إقرار نظام وظيفي جديد وشامل للخدمة المدنية والوظائف العامة يعتمد توصيف مهام الوظيفة وظروفها، ويعيد دراسة وتنقيح جميع الكوادر المالية التي أقرت خلال العشرين عاماً الماضية، وخلق قائمة بـ"الوظائف الحيوية" التي ستحصل على الأجور والامتيازات المالية الأعلى، وفقاً لاحتياجات الدولة وخططها التنموية، وربما تضم هذه القائمة للرواتب المتميزة الطبيب والأستاذ الجامعي والمعلم وفني الكهرباء وحتى سائق شاحنة جمع القمامة إذا كان كويتي الجنسية... إلخ.

بمثل هذه القائمة للوظائف الحيوية يتحقق الإنصاف، فمثلاً خريج الدورة المهنية الذي يعمل على منصة استخراج النفط لن يتساوى مع زميله الذي يعمل في نفس القطاع النفطي كإداري، في حين الأخير سيتساوى مع قرينه الإداري في أي جهة حكومية أخرى، لأن النفط ثروة وطنية توزع على جميع الكويتيين، وفقاً لأعمالهم ودورهم في العمل والاجتهاد، وليس لانتمائهم لجهة تتولى إدارة هذه الثروة واستخراجها.

لا شك في أن الوضع الحالي للأجور والرواتب في الكويت ظالم وغير عادل، ويحقق مراكز مالية متفاوتة لأشخاص متشابهين، بل أحياناً متطابقين في التأهيل العلمي والتدريبي، ويُمكن أفراداً من قدرات شرائية هائلة، بسبب رواتب مرتفعة تزيد أسعار السلع والخدمات، مقابل آخرين في نفس مستواهم لا يستطيعون أن يجاروهم في ذلك. والحل الأمثل لهذا الوضع، هو توصيف الوظائف، وترتيب احتياجات الدولة الحيوية والتنموية منها، لمنح الأجور، أياً كان مسمى جهة العمل، وفقاً للجهد والأثر الذي تحققه تلك الوظيفة للمجتمع.