من حق أي عربي، وخاصة إذا كان مر بحزب البعث العربي الاشتراكي عندما كان في ذروة تألقه قبل أن يبدأ انقلاباته العسكرية البائسة، أن يتحسر على عروبة سورية وعروبة العراق أيضاً، ولكن توخي الحقيقة والصدق يجعلنا نجزم بأن استهداف الهوية العربية لـ "القطر العربي السوري" تحديداً قد جاء من قبل الذين حكموه، وخاصة بعد ثالث انقلاب على "انقلابه" الثاني على نفسه في فبراير 1966، وكل هذا ومع أن الغياب التام لعروبة هذا البلد الذي كان يعتبر قلب العروبة النابض قد جرى خلال الأعوام الستة الماضية بعد انفجار أزمة عام 2011.

كان إخراج سورية من جلدها العروبي بدأ عندما أخذها حافظ الأسد للاصطفاف إلى جانب إيران خلال حرب الثمانية أعوام، التي كانت في حقيقة الأمر حرباً عربية – إيرانية، وهنا فإن المعروف أن "جماهيرية" معمر القذافي قد اتخذت هذا الموقف نفسه، ومع تأكيد أن العرب الذين انحازوا إلى العراق في هذه الحرب قد انحازوا إلى أنفسهم وليس إلى صدام حسين ونظامه الذي ارتكب من الموبقات السياسية والقومية ما لا يعد ولا يحصى وما لا تتحمله حتى رواسي الجبال.

Ad

كانت سورية، عندما انفجرت أزمتها في بداية الربيع العربي عام 2011، قد أصبحت جزءاً من المنظومة الإيرانية مثلها مثل حزب الله اللبناني، ثم وكان لم يبق من عروبة نظامها، وليس عروبتها... لأن عروبتها ستبقى إلى الأبد وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، إلا ما يشبه بقايا الوشم على ظاهر اليد، فالإيرانيون بمنطلقاتهم الفارسية المغلفة بمذهبية مصطنعة كانوا قد غزوها من الداخل، وكان شقيق حافظ الأسد، جميل الأسد، ذهب بالتبعية لطهران بعيداً عندما أسس ما يسمى جمعية المرتضى، بأموال إيرانية، التي كان هدف تأسيسها استبدال الهوية العربية بهوية طائفية ومذهبية.

الآن باتت إيران تسيطر على سورية سيطرة كاملة، فبالإضافة إلى حراس ثورتها و"باسيجها" وأجهزتها المخابراتية أصبح لها في هذا البلد أكثر من ثمانين تنظيماً طائفياً جيء ببعضها من أفغانستان وباكستان وحتى من الصين، وهذا بالإضافة إلى أنه أصبح للإيرانيين "مستوطنات" حتى في دمشق نفسها، مثل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وكل هذا وبينما عمليات التغيير "الديموغرافي" مستمرة ومتواصلة، وبخاصة فيما اعتبره بشار الأسد "سورية المفيدة".

وهكذا في النهاية فإن ما يثير ليس سؤالاً واحداً وإنما ألف سؤال وسؤال هو أن حزب البعث، الذي لم يبق منه إلا بقايا شعارات مكتوبة على جدران بعض المدن السورية، قد تم شطبه في الأيام الأخيرة نهائياً، غير مأسوف لا على شبابه ولا على شيخوخته، إذ إن ما يسمى "القيادة القومية" لم تعد موجودة على الإطلاق، وحلت محلها صيغة حمالة أوجه، أغلب الظن أنها مستنسخة عن إحدى الصيغ الإيرانية... وهكذا فإنه لم يعد في هذا البلد العربي من العروبة إلا ما في صدور أبناء الشعب السوري العظيم، الذي يقبض على عروبته كما يقبض على الجمر... فالقرار في عاصمة الأمويين إن لم يكن إيرانياً فهو روسي... و"المزارات" تحولت إلى إيرانية، واللغة التي باتت تسمع في سوق الحميدية هي الفارسية.