إذا لم تكن مهمة النقاد دعم ومؤازرة التجارب الجديدة، فما الذي ينبغي عليهم أن يفعلوا ويكتبوا؟

سؤال فرض نفسه عليَ في اللحظة التي انتهيت فيها من مشاهدة فيلم «سكر بره»، الذي رحت، لفرط إعجابي به، أبحث عما يدلني على ظروف إنتاجه في عام 2017، وانتابني الذهول بعد قراءة خبر يقول: «رفعت دور العرض السينمائية فيلم «سكر بره» نهائياً من جميع القاعات، بسبب ضعف الإقبال الجماهيري، ولأن إيراداته لم تتجاوز 40 ألف جنيه فقط في 12 يوم عرض»!

Ad

السمة التي تميز فيلم «سكر بره» أنه يحمل طزاجة واضحة، على صعيد السيناريو الذي كتبه الواعد محمد الدرة، ففيه حديث عن البطالة، وتنديد بالمتعطلين من أصحاب {الأيدي الناعمة}، وهواة المظاهر، ودعوة إلى العمل، وإثبات الذات، من دون الوقوع في فخ الخطابة والعظة أو المباشرة، فضلاً عن وجود مسحة كوميدية رقيقة تخلو من الغلظة والسماجة، التي دأبت الأفلام التي أنتجت في الآونة الأخيرة على تقديمها!

ربما لا يرى البعض أهمية في الحفلة التي استهل بها الفيلم أحداثه، لكنها، في رأيي، ركيزة مهمة، بل محطة كاشفة، وضعت أيدي المتلقين على آلية تفكير خمسة من الأصدقاء جمعتهم مناسبة سعيدة، بعد طول فراق، وباستثناء {كريم} (خالد عليش) العصامي، ابن قرية {المناشي}، الذي نجح في أن يُصبح مدير تسويق أحد فنادق الأقصر، كونه متسقاً مع نفسه بالفعل، يعيش رفاقه في عالم من المظاهر الزائفة، والأوهام الكاذبة، والادعاءات الباطلة، على رأسهم {ياسر رماح} (إسلام جمال) الفقير، الذي تدفعه البطالة إلى ممارسة النصب، والزعم أنه رئيس مجلس إدارة، وهو العاجز عن تسديد إيجار غرفة السطوح التي يقطنها، فيما تنقلب {ريهام محفوظ} (أميرة هاني) على أصلها، وتتنكر لكونها ابنة بواب تعيش في حجرة في {البدروم}، وتعيش على فضلات سكان العمارة. ولا تتوقف {فلة} (إسراء عبد الفتاح) عن التباهي بكونها سليلة عائلة آغا خان الارستقراطية، وتقديم نفسها بوصفها ضحية الزمن، والمصادرة والتأميم، أو {عزيز القوم الذي ذل}، فيما تكتفي خامستهم {دينا الكموني} (ندى رحمي) بتقديم نفسها كوريثة لمحل عطارة كبير. وبانتهاء الحفلة، التي اتسمت بالبذخ، يعود كل واحد منهم إلى أصله، وباستثناء {كريم} نُدرك أنهم حفنة من الفئران التي عادت إلى جحورها، ما يؤكده {الفلاش باك} وحوارات الذكريات مع {أم فلة} (هناء الشوربجي) و}أم ريهام} (بدرية طلبة)!

مقدمة تجمع بين إبهار الصورة (كاميرا أحمد عبد القادر) وإيجاز الرسالة (نص محمد الدرة) وتكثيف الإيقاع (مونتاج هالة محيي الدين) انطلق بعدها المخرج الواعد أحمد عبد الله صالح لاستكمال رسالته، التي تجمع بين خفة الظل، وجدية المضمون، وعمق المغزى، عبر التنويه إلى الخلفية الاجتماعية والاقتصادية للأبطال، والحاجة التي اضطرتهم إلى التخلي عن عنجهيتهم، وقبول العرض الذي قدّمه لهم {كريم} للعمل معه في فندق الأقصر، الذي نجح في انتزاع حق رعاية مسابقة عالمية لأجمل خيول عربية، وهي الثغرة التي كانت سبباً في تراجع الفيلم، والانتقاص من شاعريته وإنسانيته، إذ تسببت المسابقة، والمنافسة بين الفنادق العالمية للاستحواذ على حق رعايتها، في ظهور عصابة إجرامية يتزعمها {عميل المافيا} (حمدي السخاوي)، الذي جند {سيد فرخة} (إبرام سمير) لإطعام الخيول المتسابقة بقطع من السكر، ومن هنا جاء عنوان الفيلم {سكر بره}، بهدف إصابة الخيول بعقم. من ثم، تنتهي سلالة الخيول العربية الأصيلة، وهو الدور القذر الذي يقبله {سيد فرخة} لسبب يخاصم المنطق، وهو التلفيق الذي تكرر مع اختطاف {دينا الكموني}، بعد الظن أنها حبيبة {سيد فرخة}، وبعد ما تطلب الأمر تحريرها ثم القبض على العصابة الشريرة، ودخل الفيلم في متاهة لم يكن لها أي مبرر!

فقد الفيلم كثيراً من رونقه، مع وصول الأبطال إلى الأقصر، لولا وجود شخصيات اتسمت تصرفاتها بالتلقائية وخفة الظل، مثل {سيد فرخة} (إبرام سمير)، الذي أراد اللحاق بابنة خالته، وانتهت به الحال للعمل في إسطبل الخيول، و{الزناتي لؤي} (حامد الشراب) مطرب الفندق، الذي يحلم بالشهرة والنجومية، بالإضافة إلى الوجه الجديد الذي جسد شخصية {رامبو}. ولولا المواقف الطبيعية التي حاول فيها كل فرد في الصحبة أن يخفي هويته عن الآخر لحظة الوصول إلى الفندق، قبل أن تسقط أقنعة الزيف، وأباطيل الوهم، مع إعلاء قيمة العمل، والاعتماد على الذات، واكتشاف كل واحد من الأبطال حقيقة نفسه، وهي الرسالة التي سعى إليها الفيلم، ونجح في ايصالها، بشكل غير مباشر، بفضل النص السلس، والاختيار الجيد لطاقم الممثلين، وانسجامهم، والتوظيف الملائم لأغنيتي {عيشي عيشة أهلك} و}تفكير سليم}، ومن ثم لم تكن ثمة ضرورة للالتجاء إلى السخرية من الفتاة البدينة، التي على شاكلة أنجيل أرام، أو توظيف فن {البارودي} لاستلهام مأساة الفنان القدير توفيق الدقن في فيلم {البحث عن فضيحة}!