كنتُ في حديث مع أحد الأصدقاء الدكاترة في جامعة الكويت، حين قال: "نستعين أحيانا بسيارة إسعاف لنقل الولد الغشاش أو البنت إلى المستشفى".

استغربت جملته، فأضاف: "أساليب الغش المتطورة خطيرة".

Ad

شرح لي أن بعض الطلاب يستخدم سماعات عالية التقنية وغاية في الصغر من حيث الحجم، بحيث يصعب اكتشافها ورؤيتها بالعين المجردة. هذه السماعة تكون متصلة بشخص آخر خارج قاعة الامتحان. يهمس الطالب الممتحن له بالسؤال، فيقوم الآخر بإعطائه الإجابة النموذجية. لكن، ولأن هذه السماعات يجب أن تُحشر بطريقة خاصة ومدروسة، فإن أي خطأ في إدخالها إلى الأذن قد يؤدي إلى فقد السمع، حيث إن هذه السماعات يمكن إخراجها بالمغناطيس أو بأساليب حديثة معقّدة. لذا، حين يصعب على الطالب أو الطالبة إخراج سماعة الغش يصبح لابد من الاستعانة بطبيب مختص وبأسرع وقت ممكن.

الدكتور مؤنس عبدالله، اختصاصي الأنف والأذن والحنجرة، وفي مقابلة صوتية له مع إذاعة "بي بي سي"، أفاد بقوله: "في موسم الامتحانات تقريبا أحياناً ممكن نسوّي في اليوم عمليتين إلى ثلاث". ويشير إلى خطورة هذه السماعات على صحة الأذن، وقد تصيبها بتلف أو عطب لا يمكن الشفاء منه.

ما يتبادر إلى الذهن، هو نوع العقاب الذي يواجه به الطالب الغشاش، حيث يُحرم من الامتحان، وأحياناً يفصل من امتحانات السنة، وأظن أن الأمر يستحق وقفة مختلفة.

يعترف دكاترة الجامعة بأن انتشار الغش بين البنات ربما لا يبتعد في نسبته عن الأولاد. لذا، فبعض أمهات ورجال المستقبل كلاهما في الغش سواء. لذا، فإن معالجة هذه الظاهرة الخطيرة تستوجب بالضرورة النظر إلى أسبابها. فلا يمكن معاجلة أي مرض قبل معرفة الأسباب التي أدت إليه. ومؤكد أن التوقف أمام أجواء الأسرة هو العنصر الأهم في المعالجة. فالقدوة لدى الطفل تبدأ بمن يحيط به في أسرته الأصغر فالأكبر. لذا، لزم على الأم والأب أن يقدما سلوكا إنسانيا سويا، وأن يظهرا للطفل منذ سنواته الأولى أهمية أن يكون أمينا، وأن المنجاة في الصدق، وأن الكذب في الأمر الصغير كما الكذب في الأمر الكبير.

إن انتشار ظاهرة الغش بين الطلبة في مختلف المراحل الدراسية، وكذلك الشهادات الجامعية المزورة، يمثلان آفة فتاكة في بناء المجتمع الكويتي. فما عاد سراً أمر اللجنة المكلفة النظر في الشهادات المزورة لدكاترة الجامعة و"التطبيقي"، وها هي ظاهرة الغش تأخذ حضوراً أكبر بين الطلبة بتطور التقنيات الصناعية.

مؤكد أن الظاهرة تستوجب وقوفاً حازماً أمامها، وقوفاً من جميع هيئات المجتمع؛ الأسرة والمدرسة والمسجد والهيئات العلمية ومؤسسات الدولة الرسمية وجمعيات النفع العام الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني. نعم جميع هيئات ومؤسسات الدولة معنية بمعالجة هذه الآفة المدمرة، كلٌ من زاويته، وكل بقدر استطاعته.

جميع من يشتغل في التدريس بات على علم بمستوى الطالب المعرفي المتدني، حتى إن بعض طلبة الجامعة لا يستطيع كتابة فقرة واحدة بإملاء صحيح، ناهيك عن النحو وطبيعة المعلومات.

لم يبقَ لنا في بلدان منطقتنا العربية من منقذ سوى التعليم. فنحن في ذيل قائمة المجتمعات المتحضرة في شتى مناحي الحياة. وكم يبدو مخزياً أن بلداناً وشعوباً كانت في يوم ما حادياً للبشرية في العلم والأدب وقوانين المجتمع المدني، تبدو عاجزة عن مسايرة اللحظة الإنسانية، وخاصة أن مجتمعاتنا تمتلك الثروات الطبيعية والعقول النابهة لأبنائها متى ما توافرت لهم الظروف العلمية والفكرية والأدبية.

الغش ظاهرة موجودة في كل المجتمعات. لكن، في الحدود الأضيق، وفي حدود الاستثناء. وحين يصل الأمر إلى الظاهرة الواضحة للعيان، فمؤكد أن الأمر خطير، وهو بحاجة لمعالجة جادة وصادقة وجريئة.