كثيرون هنا من جماعات ليبرالية الخواء، التي ترفع شعار مع العم الأميركي بالسراء والضراء، هللوا وابتهجوا لزيارة الرئيس ترامب للمملكة العربية السعودية، وكأنه طرق أبواب بيوتهم وقدم لهم هدايا ثمينة عن الأحلام الرائعة التي تنتظرهم، لا نظن أن مثل هؤلاء المبتهجين تابعوا القليل مما كتب في الإعلام الغربي مثلاً في "نيويورك تايمز" و"فايننشال تايمز"، وهما أعرق جريدتين في أميركا وبريطانيا، عن كلمة ترامب للملوك ولعدد من رؤساء الدول الإسلامية.

"نيويورك تايمز" الأميركية نشرت حواراً بين مراسلين مسلمين يعملان لديها، هما وجاهات علي ومصطفى اخيول، خلاصته أن كلمة ترامب للقادة المسلمين، وإن كانت تبدو قد تبدلت وخففت من نزعات التعصب ومساواة الإسلام مع الإرهاب في خطابات حملته الانتخابية، إلا أنها لم تكن خطاباً عاماً عن الإسلام بقدر ما كانت تحريضاً على إيران ودعوة لعزلها دولياً من جهة، وتحذيراً للدول الإسلامية من خطر جماعات الإرهاب مثل داعش من جهة أخرى.

Ad

يقارن الكاتبان بين كلمة ترامب وخطاب أوباما في القاهرة عام 2009، كلمة أوباما كانت شاملة مجردة في دعوتها للحوار السلمي بين الديانات، وضرورة بناء المؤسسات الديمقراطية وترسيخ حقوق الإنسان، ترامب لم يذكر شيئاً عن قضية حقوق الإنسان وهو يخاطب قادة دول معظمهم بعيدون عن قضية حقوق الإنسان والديمقراطية، قد يكون ترامب محقاً بالنسبة لخطر الإرهاب إلا أنه يكاد يشجع الأنظمة التسلطية التي تبرر تسلطها بمحاربة الإرهاب، وهنا نتناسى أن تلك الأنظمة القمعية هي من أسباب الإرهاب، وله طبعاً أسباب أخرى مثل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية.

لا يختلف مانشيت "فايننشال تايمز" كثيراً عن السابق ذكره، ترامب يدعو دولنا لبناء السلام الإقليمي عبر مظلة شراكة مع أميركا، بما يعني احتواء إيران التي صورها كنموذج مطلق للشر في المنطقة، وصفت الجريدة كلمته بخطاب الشر والخير، الشر هو إيران والخير هو السلام للمنطقة، بما يعني السلام مع إسرائيل، بماذا اختلف خطابه عن خطاب بوش الابن عن محور الشر وثنائية "مانوية"، إما معنا أو ضدنا؟ وأين أوصل الأخير الدول العربية بعد خطابه عند غزو العراق؟! خطاب ترامب جاء مباشرة بعد انتخاب الرئيس الإيراني المعتدل حسن روحاني بعد أن حقق هزيمة ساحقة للجناح الإيراني المتشدد دعاة "إيران الثورة"، في انتخابات مقيدة ولكنها أفضل بكثير مما يجري في عدد من الدول الإسلامية.

نتساءل ماذا يريد ترامب في هذا التجييش والتحريض بين دول منطقة الخليج وكأن هذا ما ينقصها؟! أليس هو يدين الاعتدال الآن ويشجع القوى المتشددة في إيران على التقدم في الساحة، ويحشر المعتدلين في زاوية الفشل السياسي؟ وهل يريد الرخاء والتقدم والتنمية المستدامة لدولنا إذا كانت ستقدم آخر فلس في ميزانياتها ثمناً لصفقات سلاح تفرض عليها فرضاً من البائع الأميركي، وهي بالنهاية قد لا تكون مجدية؟ وهل هذا سيكون لمصلحة المنطقة حين تدخل في سباق تسلح وتوازن الرعب، وتبدد كل آمال الحوار والسلام لدول المنطقة؟!

أسئلة نتمنى على المبتهجين هنا أن يطرحوها على أنفسهم، بدلاً من التمايل طرباً مع أغنية "ماما زمانها جاية"، ماما أميركا هنا ليس معها "ألعاب وشوية حاجات" جاءت مع صفقات سلاح وتنشيف ما تبقى من المستقبل المالي... خففوا من فرحكم بالماما.