تمسك الرئيس الإيراني حسن روحاني أمس، في أول مؤتمر صحافي يعقده منذ إعادة انتخابه، بنهج بلاده، وخفف من قيمة الاتهامات بدعم طهران الإرهاب ونشر الفوضى، والتي وجهها لها اجتماع القمة العربية الإسلامية الأميركية، في الرياض.

واعتبر روحاني أن قمة الرياض، التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقادة وزعماء نحو 55 دولة عربية وإسلامية، كانت "استعراضا مكررا" بدون "أي قيمة سياسية"، مدعيا انه من المستحيل إحلال الاستقرار والسلام بالمنطقة من دون مشاركة إيران.

Ad

وفي رسالة تحد، أكد أن بلاده ستواصل برنامجها الصاروخي المثير للجدل، وقال إن "الأمة الإيرانية قررت أن تكون قوية. صواريخنا من أجل السلام والدفاع... يجب أن يعرف المسؤولون الأميركيون انه حينما نريد أن تختبر صاروخا سنفعل ولن ننتظر الإذن منهم".

ووصف تصريحات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، الذي دعا طهران إلى وقف تجاربها الصاروخية، بأنها "احلام وأوهام"، وادعى أن إيران ليست بحاجة الى شراء السلاح، بل لديها القدرة على صناعة أنواع الاسلحة التي تحتاجها، ولا تواجه مشكلة بهذا الخصوص بحسب تعبيره.

وأضاف: "من يستطيع القول إن الاستقرار الإقليمي يمكن استعادته من دون إيران؟ من يمكنه القول إن المنطقة ستشهد استقرارا كاملا من دون إيران؟".

وقال روحاني إن الإدارة الأميركية تفتقر إلى معرفة الشرق الأوسط، زاعما ًأن "من يقدمون المشورة للمسؤولين الأميركيين يضللونهم".

وانتقد الاتفاقات التي وقعتها الرياض مع ترامب، والتي تجاوزت قيمتها 380 مليار دولار، زاعما أن السعودية تمنح الأموال لقوة كبرى لحل مسألة الإرهاب، منتقدا النظام السياسي في المملكة.

على الصعيد الداخلي، اعتبر ان الانتخابات التي فاز فيها على منافسه المتشدد إبراهيم رئيسي كانت بمنزلة رسالة إلى العالم بأن طهران جاهزة للتوافق مع المجتمع الدولي.

ظريف

في موازاة ذلك، دان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في تغريدة أمس الأول، الانتقادات التي وجهها ترامب إلى طهران، وقال إن "إيران التي أنجزت لتوها انتخابات حقيقة، تهاجم من قبل الرئيس الأميركي، من تلك القاعدة للديمقراطية والاعتدال"، واضاف: "هل هذا الهجوم أتى في إطار السياسة الخارجية أم لمجرد حلب دولارات من السعودية؟".

من ناحيته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية بهرام قاسمي أمس: "مرة أخرى، عبر تكرار مزاعمه التي لا أساس لها، حاول الرئيس الأميركي تشجيع دول المنطقة على شراء المزيد من الأسلحة عبر نشر الخوف من إيران".

وزعم قاسمي أن "واشنطن تقوي شوكة الإرهابيين في المنطقة بسياساتها العدوانية، ويجب أن تتوقف عن بيع أسلحة لإرهابيين خطرين".

وفي رد يكشف انفصاما في النظام الإيراني، الذي تخرج من بعض أركانه أكثر التصريحات عدوانية في العالم، قال قاسمي إن الولايات المتحدة وحلفاءها "يجب أن يعرفوا أن إيران دولة قوية ومستقرة وديمقراطية، وتروج للسلام وحسن الجوار وعالم مناهض للعنف والتطرف".

انتصار إصلاحي

إلى ذلك، عزز التيار الإصلاحي في طهران الفوز الكاسح الذي حققه الرئيس المعتدل حسن روحاني على منافسه الأصولي إبراهيم رئيسي بالانتخابات الرئاسية، وحقق تحالف "الإصلاحيين والمعتدلين" فوزا في عدة مدن، بينها طهران في الانتخابات البلدية التي أجريت بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية الجمعة الماضية.

وأصبحت ثاني وثالث مدن البلاد، مشهد (شمال شرق) وأصفهان (وسط) وكذلك شيراز ويزد (جنوب) وكرج قرب طهران وزهدان (جنوب شرق) تحت سيطرة كاملة أو شبه كاملة لإصلاحيين.

ويشكل الإصلاحيون غالبية في تبريز (شمال غرب) وقزوين (شمال) وبندر عباس. وكانت مشهد وأصفهان حتى الآن تحت سيطرة المحافظين الذين يديرون بلدية طهران منذ 14 عاما مع رئيس البلدية محمد باقر قاليباف.

تقدم نسائي

وعززت النساء حضورهن في مدن مثل طهران، حيث أصبح عددهن ست نساء من أصل 21 في المجالس البلدية. وفي اردبيل (شمال غرب)، تقدمت امرأة إصلاحية على بقية الأعضاء البلديين في المدينة.

وفي محافظة سيستان بلوشستان (جنوب رشق) الريفية والتقليدية عموما، انتخبت 415 امرأة في المجالس البلدية ومجالس القرى مقابل 185 سابقاً.

واعتبر محافظ بلوشستان علي هاشمي أن تقدم المرأة في الانتخابات جاء نتيجة سياسة الحكومة التي تعطي المزيد من الأهمية لـ"مكانة النساء". وعينت عدة نساء في مناصب بارزة بمراكز إدارية في سيستان بلوشستان في السنوات الماضية.

وفي هذه المنطقة التي تضم عددا كبيرا من السنة، نال روحاني 75 في المئة من الأصوات مقابل 57 في المئة على المستوى الوطني في الانتخابات التي اعطت ولاية ثانية تمتد 4 سنوات.

وفي رشت، المدينة التي تعد 700 الف نسمة شمال البلاد، انتخب عامل جمع نفايات يبلغ 42 عاما مستشارا بلديا. وقال محمد حسن علي بور، الذي يعمل في جمع النفايات منذ نحو 10 سنوات رغم انه حائز على شهادة ماجستير في العلاقات العامة، إنه سيحضر اجتماعات المجلس البلدية وهو في ثياب العمل.

غضب أصولي

في غضون ذلك، تعهد المحافظون الإيرانيون، الذين ساءهم إعادة انتخاب روحاني، بمواصلة تنفيذ برنامجهم المحافظ، وقال بعضهم إن حملة الرئيس المعتدل الساخرة على مرشحهم "سيكون لها رد فعل".

وفي خطاب الفوز، واصل روحاني نبرة التحدي التي اعتمدها بشكل مفاجئ خلال الحملة الانتخابية ضد التيار الأصولي والمتشدد، وقال إن "الشعب اختار طريق التفاعل مع العالم بعيدا عن العنف والتطرف".

كما غضب بعض المحافظين عندما رقص أنصار روحاني، وغنوا في شوارع بعض المدن السبت الماضي احتفالا بفوزه، وشارك في الاحتفالات رجال ونساء، فيما يمثل اختبارا للتشدد في الفصل بين الجنسين في الأماكن العامة.

وقال القاضي المحافظ إبراهيم رئيسي، الذي نافس روحاني في الانتخابات، وهو أحد تلامذة خامنئي، في أول تعليقات بعد الانتخابات إنه لا يجب تجاهل ما يقرب من 16 مليون ناخب أيدوه.

واعتبر ائتلاف مؤيد لرئيسي من الأحزاب المحافظة والهيئات الدينية أن الانتخابات "ليست النهاية بل البداية". وأعرب أنصار لرئيسي عن غضبهم الشديد من الطريقة التي تحدث بها روحاني ووصفه لهم بـ"التطرف والعنف في نهج تصادمي يبين أنه يريد شجارا".

وكان روحاني حقق فوزا حاسما في الانتخابات التي شهدت استقطابا غير مسبوق بين أنصار التيارين الإصلاحي والمتشدد، بعد أن وعد بمزيد من التواصل مع العالم الخارجي، وإتاحة المزيد من الفرص الاقتصادية للشباب الإيراني، وتحقيق العدالة الاجتماعية والحريات الشخصية والتسامح السياسي.

وقدم الرئيس، المعروف منذ عشرات السنين بأنه شخصية توافقية، نفسه في صورة جديدة خلال الحملة الانتخابية كمناضل سياسي إصلاحي، واتهم المحافظين بالوحشية والفساد بعبارات تجاوزت مرارا حدود ما هو مسموح به في بلاده.