يمكن القول إن فيلم «يجعلو عامر» حقّق ما يُطلق عليه «نقلة نوعية» في الاحتفاء بالجهل والسطحية والابتذال والترخص، في الوقت الذي يزعم الدعوة إلى ضرورة التشبث بالأخلاق والفضيلة وضرورة المشي على الصراط المستقيم!

الجهل الصارخ يتمثّل في اختيار العنوان، الذي كان ينبغي أن يُصبح «يجعله عامر»، لكن هذا الجهل اللغوي يُعد نقطة في بحر التناقضات، والثغرات، التي حفل بها الفيلم، الذي كتبه سيد السبكي وأخرجه شادي علي، وتلاعب بالمتلقي، كعادة أفلام آل السبكي، بإغراقه في طوفان من الرخص والتردي، على صعيدي الصورة والمضمون، والدعوة إلى الأخلاق والموعظة الحسنة، كذلك على صعيد الرسائل الدينية التحتية، التي اعتاد آل «السبكية» تمريرها في أفلامهم، وأشهرها: «كباريه» (الشخص الوحيد الذي نجا من انفجار الملهى الليلي هو النادل أحمد بدير الذي كان يصلي ويدعو الزبائن إلى الهداية) و{الفرح» (نهايتان، أولهما يخسر فيها الجميع لأنهم ابتعدوا عن الله، والثانية يتطهر فيها الأبطال من الآثام لاقترابهم من الرب)، ففي غالبية أفلامهم ستلمح دعوة إيمانية واضحة، وإيماناً مُطلقاً بالآية الكريمة: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى» (طه:124-126).

Ad

على هذا النسق من العظة الأخلاقية، التي لا تغيب عنها المسحة الدينية، يأتي فيلم «يجعلو عامر»، الذي يحتفي بالشيخ «جهاد»، لاحظ الاسم، ( بيومي فؤاد)، الذي يزعم الفيلم أنه مستنير، وبشوش، ينصح بالإحسان والتقوى ويعرف كيف يوزع الفتاوى، من مشهد إلى آخر، كما فعل عندما حظر تربية الكلاب («البيت الذي يقطنه كلب لا تدخله الملائكة») وازدرى الفن (رفض أن يتبرك به جاره في الفيلم لأنه مطرب!)، كذلك حرَّم الاحتفال بعيد الميلاد (بدعة وضلالة، لما فيه من كفر يستوجب الاستغفار إلى الله)، وحرض على زجر المرأة التي تعصي زوجها («إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضباناً عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح»)، واتهم زوجته بالتبرج في لحظة الفراش، بينما يُحدثنا الطبيب النفساني «شوقي» (هشام إسماعيل) عن الموتة الصغرى والموتة الكبرى!

يحدث هذا في الوقت الذي يزخر فيه الفيلم بمشهيات بذيئة، وتوابل قميئة، تعكس التناقض بعينه؛ الشيخ «جهاد» يدعو البطل إلى الصلاة، ويُطالبه بالوضوء، فيفاجأ البطل بأشكال وألوان من «الضُراط» (بضم الضاد) الذي يصدر عن الذين سبقوه إلى الوضوء، ويحاول البطل إقناع المطرب الشعبي «الليثي»، الذي طلق زوجته بسببه بعدما سمحت له بأن يقضي حاجته في شقتها، بقضاء الليلة في بيته، لأنه يخشى النوم وحده، فيحيل الفيلم المشهد إلى إيحاء بالمثلية الجنسية بين البطل والمطرب الذي يغني بملابسه الداخلية، بينما تتلوى الراقصة الروسية «أنستازيا»، كالثعبان في مشهد طويل، وتعيش ليلة حمراء مع البطل، الذي طلق زوجته، تُشيد في نهايتها بكفاءته، وقدراته، بينما الزوجة «توحة» (نيرمين ماهر) تكتشف مدى نبل ونقاء الشيخ «جهاد»، الذي أخفى عنها طوال سنوات زواجهما الخمس أنها السبب في عدم الإنجاب!

تدنٍ وقبح بمعنى الكلمة لكن تكتمل الخزعبلات، والترهات، والأفكار الخرقاء، في الفيلم الذي يختلط فيه الحابل بالنابل، ويحتفي برجل الدين مثلما يكرس الصورة التقليدية للطبيب النفساني المختل (علاء مرسي وهشام إسماعيل)، الذي يحاول فك عقدة البطل «عامر» (أحمد رزق)، الذي تزوج «ميادة» (المطربة بوسي) ابنة الطبقة الشعبية، وأنجبت له الطفل «كريم»، لكنه مُصاب بـ «فوبيا» من الدجاج، ومن الاختلاط والازدحام والأنفاس، ومن النوم بمفرده ومن المصعد والطائرة والمركب، وبسبب وساوسه وهواجسه طلق زوجته، ويُصدق أن نعيق الغراب ينبئ بقرب أجله، قبل أن يكتشف أنها حيلة لجأت إليها الزوجة مع الطبيب ليكتسب ثقة في نفسه، ويتخلص من أمراضه النفسية المزمنة!

«يجعلو عامر» الأنموذج الحي للإسفاف والاستخفاف والاستظراف الذي يجعل الدهشة تتملكك لأن شركة ما يمكنها أن توظف أموالها من أجل دعم هذا العبث، والترويج لذلك التخلف، الذي طال البناء الدرامي نفسه، وانعكس في الخلل الذي ضرب ترتيب المشاهد، والأداء التمثيلي، الذي بلغ الدرجة الأسوأ من التردي. لكنك ستحزن بالقطع على الحال التي وصل إليها أحمد رزق، الذي فرط في موهبته بشكل عجيب، وعلى العناصر الفنية التي لم يتميز منها عنصرٌ واحدٌ، وعلى الرسائل الساذجة التي تبنت الدعوة إلى الحرية المسؤولة، وضرورة التقرب إلى الله، والخوف من الموت بوصفه الحل الناجع والوحيد للتغلب على مشاكل الحياة!