استطاع الرئيس حسن روحاني بخطاباته عالية السقف ضد مراكز القرار وأركان النظام في إيران، إيقاظ "الأصوات النائمة" لتنزل إلى صناديق الاقتراع.

و"الأصوات النائمة" هي عبارة تطلق في إيران على أولئك الذين يقاطعون عادة الانتخابات، ويعزفون عن المشاركة لسبب أو لآخر.

Ad

وبحسب تقرير لوزير الداخلية الايرانية نشر الاربعاء، فإن ما بين 28 و30 في المئة من الناخبين ينتمون الى هذه الفئة، ويمكنهم تغيير نتائج الانتخابات إذا ما نزلوا الى الصناديق.

الأصوات التي كانت في الحسبان كانت تقدر بنحو 40 مليون صوت من أصل 56 مليونا يحق لهم التصويت، حوالي 12 مليونا منهم يميلون للإصلاحيين و12 مليونا آخرين يميلون للاصوليين، ونحو 16 مليونا منهم رماديون (المترددون)، ما يعني أيضاً أن "الأصوات النائمة" توازي "الأصوات الرمادية".

وفي حين أن قسماً كبيراً من "الرماديين" كانوا غاضبين من الحصيلة الاقتصادية الضعيفة لحكومة روحاني، قام الأخير بالدخول في مقامرة خطيرة جداً واستثمر في خطاباته على المواضيع المرتبطة بـ"الحريات العامة" التي تهم "الأصوات النائمة" كثيراً.

واستطاع روحاني، حسب ما يؤكده الإقبال الكثيف للناخبين على صناديق الاقتراع، اقناع هذه الاصوات بأنه الوحيد الذي باستطاعته ضمان "الحريات العامة" لهم وإذا ما لم يقوموا بالتصويت له فهناك امكانية أن يقوم الاصوليون بكبت الحريات العامة.

ولما كان عدد كبير من أصحاب الاصوات النائمة يعتبرون من أنصار "الحركة الخضراء"، فقد عقد روحاني اتفاقا خلف الكواليس، حسب ما أكده احد المصادر المقربة منه لـ"الجريدة"، مع زعماء هذه الحركة مفادها بأنه سيعمل على اخراج زعمائهم من الإقامة الجبرية مقابل دعمهم في الانتخابات.

وعلى هذا الاساس قام مهدي كروبي وحسين مير موسوي بدعوة انصارهما للتصويت لروحاني وكان لدعوتهما أثر كبير في ايقاظ "الاصوات النائمة".

ومع أن الاحصاءات المختلفة كانت تشير الى تقدم المرشح الأصولي ابراهيم رئيسي على روحاني بنسبة 2- 3 في المئة من الاصوات قبيل الانتخابات، فنجاح رهان روحاني ادى الى تقدمه على رئيسي في الاحصاءات بنسب وصلت بعضها إلى اكثر من 20 في المئة في ليلة الانتخابات.

وكل هذه الاحصاءات تعتمد على احتمال ان نصف "الرماديين" سيصوتون لروحاني والنصف الآخر لرئيسي، في حين أن "الاصوات النائمة" ستذهب كلها باتجاه روحاني، إذ انها عادة محسوبة على الإصلاحيين.

وإذا ما صحت هذه التقديرات فان روحاني سيصبح الرئيس المقبل لإيران لولاية ثانية.

واذا ما استطاع بالفعل الوصول الى سدة رئاسة الجمهورية للدورة الثانية فمشاكله الانتخابية هذه ستكون أسهل المشاكل التي ستواجهه خلال السنوات الأربع المقبلة.

فبمراهنته على "الاصوات النائمة" التي تعتبر اصوات المعارضين ايضا فجميع مؤسسات النظام من الاجهزة الامنية والعسكرية والسياسية والقضائية وحتى التشريعية في البلاد باتت اليوم في مواجهته، وسيكون عليه مجابهة كل هذه المجموعات في كل خطوة يريد أن يقوم بها دون أن ننسى المشاكل والضغوطات الخارجية التي تواجهها إيران من جهة أخرى.

اضافة الى كل هذه الامور اضطر روحاني اعطاء وعود ماراثونية كبيرة جدا منها "رفع جميع العقوبات غير النووية خلال دورته الثانية"، و"اعطاء فسحة كبيرة من الحريات العامة للمواطنين"، فضلا عن الوعود المتعددة التي أعطاها للاصلاحيين خلف الكواليس، من المؤكد ان معظمها، اذا ما لم نقل جميعها، غير قابلة للتنفيذ، ولكنه يعلم ايضا انه غير مضطر للخوض في منافسة انتخابية جديدة لمنصب رئيس الجمهورية بعد أربع سنوات.

على هذا الاساس واذا ما وصل روحاني الى سدة الرئاسة ما هو مؤكد أن الجمهورية الاسلامية في ايران ستواجه انقسامات داخلية شديدة تمتد حتى نهاية ولاية روحاني الثانية دون شك، ومن شأنها تحطيم شعبية الاصلاحيين إذا ما لم يستطع روحاني تنفيذ وعوده.

والجدير بالذكر أنه على الرغم من ان فرصة رئيسي باتت ضئيلة للفوز، لكن نتيجة آراء المحافظات يمكن أن تغير كل النتائج، لكن المؤكد أن وصول رئيسي الى سدة رئاسة الجمهورية في هذه الظروف سيكون من شأنه ايجاد نوع من الانسجام والاستقرار الداخلي وهو مفضل من أركان النظام.