تدخل إيران اليوم مرحلة الصمت الانتخابي قبل 24 ساعة من بدء التصويت بانتخابات تُقرر ما إذا كان الإيرانيون سيؤيدون أو يرفضون منح ولاية ثانية للرئيس المعتدل حسن روحاني وسياسته الانفتاحية على العالم التي عُلِّقت عليها آمال كثيرة خاب بعضها اليوم.

وستجري الانتخابات، التي تشهد استقطابا داخليا بين التيارين الإصلاحي والأصولي، ينذر بوقوع صدمات مشابهة لما أطلق عليه «الحركة الخضراء» في 2009، في مناخ من التوتر المتزايد مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي سيزور المنطقة بالتزامن مع الاقتراع.

Ad

ولم يرتح بال المرشحين الرئيسيين بالانتخابات، حيث حاولوا استغلال آخر لحظات الحملات الدعائية التي تنتهي صباح اليوم في هجوم بعضهم على بعض.

وبين المرشحين الأربعة الذين يتنافسون في الانتخابات، يبدو الرئيس المنتهية ولايته المدعوم من الإصلاحيين والمعتدلين ورجل الدين البارز إبراهيم رئيسي القريب من المرشد الإيراني علي خامنئي، الأوفر حظاً بالفوز.

وأعلن المحافظ مصطفى مير سليم أمس انه لن ينسحب من السباق لتفادي «الاستقطاب»، بينما دعا المرشح الإصلاحي مصطفى هاشمي طبا إلى التصويت لروحاني.

دعوة خامنئي

في غضون ذلك، دعا المرشد الإيراني علي خامنئي مواطنيه إلى المشاركة بكثافة في الانتخابات لـ»يثبتوا للأعداء ما تتمتع به البلاد من عزم وأمن وهدوء».

وقال خامنئي مخاطبا آلاف الاشخاص الذين تجمعوا في حسينية الامام الخميني بطهران إن «المسؤولين الأميركيين والأوروبيين والصهاينة يراقبون انتخاباتنا ليروا مستوى المشاركة»، معتبرا انه متى كانت المشاركة كبيرة فإن «حكمهم سيكون مختلفا».

وأضاف: «بعض التصريحات في مناظرات الانتخابات كانت لا تليق بالأمة الإيرانية. لكن المشاركة الكبيرة ستبدد كل ذلك».

وأشار إلى أنه «في الوقت الذي تعاني فيه دول المنطقة انعدام الأمن، نرى الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتحضر للانتخابات في أجواء يسودها الأمن والاستقرار».

من جهته، دعا روحاني في تجمع انتخابي في اردبيل إلى الاقبال بكثافة على التصويت في الوقت الذي يأتي فيه ترامب و»أعداء آخرون إلى المنطقة».

في المقابل، اعتبر المرشح رئيسي في طهران أن روحاني قدم تنازلات كثيرة أثناء المفاوضات التي توجت بتوقيع اتفاق بين طهران والقوى الكبرى في 2015.

وتهكم رئيسي على سياسة روحاني، وقال: «لا يمكن تسوية المشاكل بدبلوماسية التوسل، يجب اعتماد دبلوماسية قوية»، مؤكداً أن المفاوضين الإيرانيين لم ينجحوا في التوصل إلى تغيير سلوك واشنطن ما يمنع عمليا من تطبيع العلاقات المصرفية بين طهران وباقي العالم.

انقسام مجتمعي

وبعد أيام قليلة من إعلان المولوي عبدالحميد ومجلس «شورى أهل السنة» دعمهم لروحاني في الانتخابات، نُشرت لائحة تضم تواقيع وأسماء أكثر من 400 رجل دين وشخصية سنية إيرانية تعلن دعمها للمرشح الأصولي رئيسي في الانتخابات.

وعكس بيان تأييد رئيسي وضعية المجتمع الايراني الذي انقسم إلى قسمين؛ قسم مؤيد لروحاني، وآخر معارض له يدعم رئيسي.

ويكفي للمراقب أن يمر بمناطق العاصمة طهران من الجنوب إلى الشمال كي يشعر أن التخوف الذي قام على أساسه المرشد بنصيحة الرئيس السابق أحمدي نجاد بعدم الترشح للانتخابات بات اليوم واقعياً، حيث ان شوارع مناطق شمال مدينة طهران الثرية تمتلئ بصور روحاني، في حين أن شوارع المناطق الجنوبية التي تعتبر مناطق متوسطة وفقيرة تمتلئ بصور رئيسي.

وامتد الانقسام في المجتمع الإيراني حتى إلى عائلة كبار الشخصيات في البلاد، وأعلن حسن الخميني حفيد الإمام الخميني دعمه للرئيس المعتدل، في حين دعم علي الخميني أخو حسن المرشح الأصولي.

وعلى الرغم من أنهم كانوا يشككون في نزاهة الانتخابات فقد أعلن زعماء «الحركة الخضراء»، مهدي كروبي ومير حسين موسوي وزهراء رهنورد دعمهم لروحاني وطالبوا من مؤيديهم التصويت للرئيس المعتدل.

وبعد أن قام حوالي ألف وخمسمئة صحافي إعلان تأييدهم لروحاني عبر الإنترنت نشرت وسائل الإعلام المؤيدة لرئيسي أمس رسالة موقعة من حوالي ألفي صحافي يؤيدون المرشح المتشدد وهو سادن مرقد الإمام الرضا.

ونفس الحال انتقل إلى المحافظات، حيث حضر نحو 5 آلاف اهوازي مهرجانا لروحاني في الأهواز أمس الأول، واعلنوا دعمهم له في مقابل بيان صدر عن عدد من زعماء عشائر عرب الخوزستان يدعمون فيه رئيسي.

وفي جو من التوتر الانتخابي انتشرت قوى الأمن و«الباسيج» في مدينة طهران والمدن الكبرى تخوفا من وقوع حادث يمكن أن يعرقل الأجواء ونشرت وسائل الاعلام التابعة للإصلاحيين تحليلا لشبكة «بي بي سي» البريطانية يتساءل عن سبب الانتشار الكثيف للقوى الأمنية وربطت الموضوع باحتمال محاولة اغتيال روحاني كما جاء على لسان مسؤولين إسرائيليين منذ شهرين بهدف تفجير الساحة السياسية الداخلية.

صدام محتمل

في السياق، أعلن وزير الداخلية أمس، أن احصاءات الوزارة تشير إلى أن حوالي السبعين في المئة من الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات سيشاركون في الاقتراع، وأن وزارته لن تقوم بالإعلان عن نتيجة الانتخابات بشكل جزئي، بل ستعلنها بعد انتهاء فرز الأصوات بشكل نهائي، الأمر الذي أثار احتجاجات عدد كبير من أنصار الجانبين الذين يعتبرون أن «الداخلية» تريد أن يكون لديها مساحة للتلاعب في نتائج الانتخابات، إذ ان الوزارة الإيرانية اعتادت إعلان نتائج الفرز بشكل مرحلي بعد فرز أصوات كل مقاطعة، وهو ما كان يمكن الجميع من أن يحصوا الأصوات بشكل تدريجي ومستقل ثم تقارن النتائج مع النتيجة النهائية التي تعلن من الوزارة، غير أن «الداخلية» رأت هذه المرة أن اعتماد أسلوب الإعلان الجزئي قد يزيد حالة الإثارة والاستقطاب ويهدد بوقوع صدمات أهلية، خاصة بعد أن تحولت ساحة التنافس إلى انتخابات بين قطبين سياسيين متخاصمين كان المرشد يحذر منها.

رجوي: الانتخابات مهزلة

وصفت زعيمة المعارضة الإيرانية في الخارج، مريم رجوي، الانتخابات الرئاسية المزمعة بأنها «مهزلة»، متهمة النظام بتخصيص نصف مليون صوت من الحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى مئات الآلاف من عناصره الأخرى المتنكرين للإدلاء بأصواتهم للمرشح الذي يريدونه.

جاء ذلك في سلسلة من التغريدات على صفحة رجوي بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، حيث قالت: «مسرحية الانتخابات منهج لتوزيع السلطة بين الأجنحة الحاكمة، ومرفوضة من وجهة نظر شعب إيران رفضا مطلقا.. إذا كنتم تدعون أن مهزلة يوم 19 مايو هي انتخابات فاتركوا إلى جانب، تخصيص نصف مليون حرسي ومئات الآلاف من عناصركم المتنكرين».

وتابعت: «اسمحوا لشعب إيران بأن يبرز بحرية أصواته ورغبته الحقيقية، حتى يتضح ماذا يبقى من ولاية الفقيه... اعتراف المرشحين بأن النظام الحاكم هو نظام من الطبقة النخبة الـ 4 بالمئة، يكشف عن السبب الرئيس للأزمة والحالة الانفجارية للمجتمع... لو لم يكن النظام برمته يواجه خطرا لما اضطر خامنئي إلى أن يعرض أحد أكثر المجرمين التابعين له في سفك الدماء وأبغضهم، أي رئيسي في هذه المسرحية؟».

وأردفت بالقول: «قال روحاني في وقت سابق ومن منطلق الانتهازية إن النظام لم يعمل طوال 38 عاما سوى تنفيذ الإعدام، لكنه لم يقبل إطلاقا أن يقترب إلى مجزرة المجاهدين... نتيجة الانتخابات، مهما كانت، باطلة ومرفوضة من الإيرانيين ومقاومة شعب إيران... النظام المتأزم سيخرج منها أضعف».