تشهد هذه الأيام فترة الاختبارات النهائية للمرحلة الثانوية في الكويت، وكما هي العادة في هذه الفترة تطفو على سطح مواضيع النقاش أمور كالدروس الخصوصية وحالات الغش وأساليبه، وما يصاحبها من حرمان ورسوب بعض الطلبة بسببها، بالإضافة إلى بعض الصور النمطية المملة المزعجة والمشتتة لتركيز الطلبة في تغطية لزيارة وزير التربية لقاعات الاختبارات في بعض المدارس.

إلا أننا وفي خضم كل تلك الأمور التي تطفو على سطح موضوع الاختبارات النهائية نغفل عن الأمر أو الموضوع الأساسي المتمثل بفكرة الاختبارات النهائية أصلا، أو الاختبارات بشكل عام.

Ad

فواضعو فكرة الاختبارات الدراسية، أيا كانوا، وضعوها بهدف معرفة حجم التحصيل الدراسي للطلبة طوال الفترة التي مضت، وحجم المعلومات التي يعرفونها عن تخصص أو مادة معينة دون الرجوع إلى منهج المادة في وقت الاختبار، وبناء على معرفتهم يتم تقييمهم بالدرجات التي تحدد تقدير كل طالب على حدة.

إذاً، الفكرة الأساسية من الاختبارات الدراسية هي تقييم معرفة الطلبة وتقديرهم على أساس تلك المعرفة، طيب، هذا النظام، أي نظام الاختبارات الدراسية موجود وقائم على الأقل منذ أكثر من نصف قرن، وقد تمكن الطلبة وبعض المعلمين أيضا من إيجاد طرق غير شرعية للانتفاع من هذا النظام، فبالنسبة إلى الطلبة أو بعض الطلبة فقد ابتكروا سبلا للغش مختلفة ومتنوعة ومبتكرة على مر السنين، وتمكنوا من خلال تلك السبل الحصول على تقدير لا يعكس مدى معرفتهم للمنهج الدراسي، بل عكس قدرتهم على التحايل.

أما بعض المعلمين، وحتى غير المعلمين، فقد تحولت الاختبارات إلى مصدر رزق أساسي لهم، فنسمع عن معلم يبيع الاختبارات على الطلبة مشفوعة بالأجوبة قبل موعد الاختبار، وآخرون يتعمدون عدم التدريس بشكل جيد في موعد المدرسة كي يتمكنوا من التدريس الخصوصي خارج العمل، وهو الأمر الذي بات يلجأ إليه غير المدرسين أيضا لكسب 10 دنانير أو 20 دينارا من الطالب الواحد في الساعة الواحدة.

لقد تحولت الاختبارات المدرسية، ورغم محاولات القائمين على التعليم لردع سبل الغش أو الحد من الدروس الخصوصية، إلى مرتع للتلاعب وعامل ضغط نفسي موسمي على الطلبة، وعامل إرهاق مادي لأولياء أمورهم دون أن تحقق الاختبارات الدراسية الهدف الأساسي منها، وهو تقييم معرفة الطلبة بالمنهج الدراسي.

وهو ما يعني أن الاختبارات الدراسية لا تحقق المطلوب منها بشكل جيد، حتى بالنسبة إلى كثير من الطلبة ممن لا يلجؤون للغش أو الدروس الخصوصية، بل يعتمدون على الحفظ الذي يزول في نهاية الاختبار في الغالب.

نحن أمام أسلوب غير ناجح، وعفا عليه الزمن، وتمكن الكثيرون من التحايل عليه، ولكننا نصر على الاستمرار فيه، آملين تحقيق نتائج أفضل، وهو أمر غير منطقي وغير واقعي أبدا، ناهيكم عن مسألة أن الاختبارات الدراسية تعزز الفردية لدى الطالب بدلا من العمل الجماعي الذي يفترض أن يعزز في المدرسة.

شخصيا أعتقد أن الحل البديل والأفضل للاختبارات الدراسية هو أن يكون هناك مشروع نهائي لكل مادة دراسية يقدم هذا المشروع أيا كان شكله في نهاية العام الدراسي، فإن كان الطلبة في الفصل الدراسي الواحد يبلغ عددهم 25 طالباً مثلا يتم تقسيمهم منذ بداية العام الدراسي إلى خمس مجموعات، وتكلف كل مجموعة بمهمة يحددها معلم المادة، وتتناسب مع محتوى تلك المادة، على أن يطلب في نهاية كل عام دراسي من تلك المجاميع تقديم مشروعهم النهائي الذي يغطي كل المتطلبات المعرفية للمنهج الدراسي ويتم التقييم على هذا الأساس.

بهذه الحالة ستنتهي ظاهرة المدرس الخصوصي التي لن يكون لها أي جدوى، وسنعزز العمل الجماعي بين طلبة الفصل الواحد، ونرسخ فكرة التعاون بين الطلبة والتنافس لتقديم الأفضل، وسنحد بشكل كبير من التحايل والغش الذي يمارسه بعض الطلبة في سبيل الحصول على الدرجات.

من غير المعقول أن يتطور العالم بأسره في شتى المجالات خلال نصف القرن الماضي، إلا أهم أركان تطور المجتمعات، وأعني هنا التعليم الذي ما زال مقيدا بنظام قديم لم يتطور في جوهره وتطورت فقط شكلياته.