بدعم من نحو ثلثَي الناخبين الفرنسيين انتُخب إيمانويل ماكرون ليصبح الرئيس الفرنسي الأصغر سناً على الإطلاق، وأمامه اليوم فرصة لتحديث بلده وإنقاذ أوروبا، فانتخابه بداية عهد جديد أو بداية سياسات فرنسية وفرنسا جديدتين، وإذا تمكن من إنجاز كل ما تعهد بتحقيقه فقد يسم انتخابه أيضاً بداية جديدة لأوروبا التي ترزح تحت عبء الأزمات، والتي تبدو في أمسّ الحاجة إلى تذوق النجاح واستعادة شيء من جاذبيتها.

في الوقت الراهن حقق ماكرون سابقة، ففي سن التاسعة والثلاثين سيصبح الرئيس الفرنسي الأصغر سناً في الجمهورية الخامسة، لا بل سيكون الرئيس الأصغر منذ عهد نابليون بونابرت، حتى فاليري جيسكار ديستان كان أكبر سناً بنحو 10 أعوام حين أصبح رئيساً.

Ad

لكن التطور الأبرز على الأرجح هو أن ماكرون لا ينتمي إلى أي من حزبَي فرنسا الرئيسين الاشتراكي والجمهوري،

فلا يقتصر ما نشهده في فرنسا على تبدل الأجيال، بل يُعتبر انتفاضة في العالم السياسي تعتمل في هذا البلد منذ عقود.

حقق ماكرون انتصاراً واضحاً، مما منح هذا الرئيس الشاب الشرعية التي يحتاج إليها ليُنفذ ما تعهد به لتجديد فرنسا.

لم يبلغ ماكرون الأربعين بعد، ولم يتخطَّ عمر الحركة التي أسسها السنة، ففي مرحلة سابقة ضحك كثيرون في وجه حركته En Marche! (إلى الأمام!)، معتبرين إياها مجرد "مؤسسة ناشئة" أنشأها وزير اقتصاد طموح جداً، كذلك أثار ماكرون استهجان الوزراء من زملائه في الحكومة لأن حماسته وطموحه كانا يزعجانهم غالباً، فقد ظنوا أنه ما زال شاباً يفقتر إلى الخبرة ويغالي في كبريائه ونهمه، كذلك يعبّر ماكرون بصراحة عما يريده، ولا يتردد في توجيه الانتقادات بوضوح عندما لا تسير الأمور على ما يُرام، ومن الخطط الإصلاحية إلى العمليات التشريعية والتدابير المناهضة للإرهاب، كان لبقاً في نقده بل صريحاً وواضحاً.

إلا أنه لم يتوانَ، وظل متمسكاً بقناعاته حتى عندما تعرض للتنمر كما لو أنه طالب مدرسة من قبل رؤسائه، منهم الرئيس ورئيس الوزراء، وهكذا شكّل ماكرون حالة شاذة في السياسة منذ البداية. ولكن أيُعقل أن يصبح الرئيس؟ لم يصدق أحد أنه سيبلغ هذا الحد من النجاح، حتى بعدما استقال من الحكومة وأعلن ترشحه، مر بعض الوقت قبل أن يدرجه معدو استطلاعات الرأي في عمليات المسح التي يجرونها.

في نهاية المطاف أُلقيت على عاتقه خلال الأسابيع الطويلة من حملته المذهلة مهمة الدفاع عن الجمهورية الفرنسية أو حتى إنقاذها، وفي المقابل أخفق آخرون ممن انتموا إلى مؤسسة المدرسة القديمة إخفاقاً ذريعاً، وبانتخاب ماكرون بلغت حملة لا يمكن على الأرجح مضاهاة حماسته خاتمتها، وجاءت النتائج جيدة جداً.

لكن ما لم يتبدّل ضخامة المهمة التي يواجهها ماكرون، "هذا شرف عظيم ومسؤولية كبيرة"، كانت هذه أول كلمات تفوّه بها ماكرون عقب انتخابه ليل الأحد، وبدا كما لو أنه في حالة من التنويم المغناطيسي خلال خطابه، فأخبر البلد الذي صار اليوم قائده، معرباً عن تواضع لم نعهده فيه: "سأبذل قصارى جهدي لأكون على قدر ثقتكم".

ولكن بما أن الانتخابات البرلمانية ستبدأ في شهر يونيو فمن الضروري أن يستعيد ماكرون طاقته بسرعة، وستحدد هذه الانتخابات مدى الحرية التي سيتمتع بها خلال تطبيقه سياساته، فقد تعهد بتبني عملية إصلاح مهمة ثلاثية الأوجه في مطلع رئاسته، إذ يريد أن يحرر سوق العمل ويعزز مبدأ الفرص المتكافئة من خلال أنظمة المدارس والتدريب الوظيفي.

لكن مهمته الكبرى تبقى في التوصل إلى طرق تتيح لفرنسا التصالح مع نفسها، وعليه أن يبني الثقة في بلد يسوده منذ زمن طويل الإحساس باليأس والاستسلام.

ولكن إن كان هنالك من سياسي يستطيع تحقيق هذا الهدف، فلا شك في أنه ماكرون، فقد أعرب عن مقدرة مماثلة من خلال نتائج انتخابه المذهلة، وفي الوقت الراهن يبدو كل شيء ممكناً.

* جوليا هبنير