قد تتشابه الكويت مع السعودية اقتصادياً وسياسياً نوعاً ما، إنما الاختلاف البارز بينهما يكمن في النواحي الاجتماعية، هذا من الماضي، أما اليوم فالبلدان الشقيقان يتشابهان أكثر وهما بمنتصف السلّم في طريقهما لتبادل الأدوار، فالسعودية في طريقها للتخلص من سنوات الكبت والكآبة والانغلاق لتصحو من الصحوة الزائفة، والكويت في هبوطها لتسلم ما تريد الشقيقة الكبرى التخلص منه لتغفو بهدوء، فبينما السعوديون كانوا ينظرون بواقعية وعملية وتوق إلى ما يوفره الوضع الاجتماعي الكويتي من حقوق طبيعية للمرأة وبديهية للناس كالسينما والمسرح مثلاً، فإن لدينا في المقابل من يفكرون بعاطفية وشعاراتية ونفاقية زائدة عن الحد، بحيث يودون استيراد النموذج السعودي المنغلق الذي يطمح أهله إلى الخلاص منه أصلاً!

ولا غرابة فيما نحن فيه، ففي حين أن الأطراف المتنافسة بالسلطة لدينا ما زالت تتحالف مع التيارات الدينية من أجل تحقيق طموحاتها الشخصية ولا تمانع، في سبيل ذلك، بعقد الصفقات، مضحيةً بحقوق الناس الفردية أو جودة حياتهم، يبدو أن القيادة السعودية قد نفضت يدها من تلك القوى نتاج صحوة ما بعد "جهيمان" واشترت المستقبل والاستقرار بعيد المدى "فقد ولى زمن تلك الحقبة"، كما قال محمد بن سلمان، ولأن المرؤوس يستمد قوته من قيادته، يرد المسؤول السعودي الأول عن الترفيه على دعاة إبقاء الحال على ما هو عليه، بكل صلابة رداً بديهياً: "بأن اللي مو عاجبه يقعد في بيته"، وهذا هو المجرى الطبيعي والديمقراطي للأمور، فالسينما والفعاليات الأخرى لن تلاحق أحداً، في حين تجد أن حكوماتنا المتعاقبة، بكل قضها وقضيضها وبشوتها وبخورها، تسجيب بمنع أي فعالية أو كتاب يتيم مع أول صرخة من سياسي تافه، ربما زوجته لا تسمع كلامه، فتخرب طابع البلد، وتسد منافذه من أجل ترضيات وصفقات لن تنتهي على حساب ما تبقى من انفتاحه وعافيته.

Ad

ولأن المرأة مبتدأ كل تغيير، ففي الوقت الذي تنحو المملكة لإعطاء المرأة كل حقوقها القانونية، ورفع ما يسمى بالولاية عنها، ودمجها في الحياة والمجتمع، وإتاحة فرص التعليم المشترك لها، يريد البعض هنا في الكويت تحجيم دورها العملي، وإن كان ذلك يتم بأسلوب دس السم في العسل، سواء من خلال تخفيض مدد استحقاقها للتقاعد، أو عن طريق منح مكافآت لربات البيوت غير العاملات نظير دوامهن في الأفنيوز، أو منع الاختلاط، أما بعيداً عن المرأة، إن أمكننا ذلك، فمع الحد من صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف وإنشاء هيئة الترفيه بدأت الحياة الاجتماعية في السعودية خطواتها المتسارعة لمسايرة العالم من حولها، فبعد أن عادت الحفلات الغنائية لكبار النجوم أصبحنا نسمع عن قرب افتتاح السينما والأوبرا، وعن التخفف من القيود بالأسواق والمحافل الثقافية، بينما يطالب بعض نوابنا بوضع الحواجز بالمطاعم، وقد نصل إلى مرحلة زرع الألغام قريباً بفضل إبداعات بعض العقليات الفذة، أما الدستور الذي أزعجنا العالم به، فقد أمسكنا بتلابيب الحقوق السياسية فيه، واستهلكنا حرية نقد السلطة السياسية والشيوخ لسهولة تحصيل المجد والألقاب و"الكفوات" من هذا الجانب، وتناسينا الحريات الشخصية أو حرية نقد السلطات الدينية والاجتماعية والقبلية، إما خوفاً أو نفاقاً أو طمعاً، رغم ضرورة الإكثار من نقدها وتشريحها، لأنها من كوابح التغيير و"باورة" المراوحة، وذلك أيضاً عكس ما نراه على الأقل من اتساع هامش الحرية والنقد لها في مواقع التواصل السعودية، وباعتقادي ما كانت ستلاقي كل هذه التحولات السريعة في الشقيقة الكبرى هذا القبول لولا أن الأرضية الاجتماعية والثقافية صارت أكثر تهيئة واستعداداً بعد مضي سنوات من خطة الابتعاث الجبارة للجامعات الأجنبية في الدول المحترمة، وليست الجامعات المضروبة في الدول المكروبة التي تعرفونها وتعايشون مخرجاتها العظيمة، يبقى أمر وحيد ربما امتازت به الكويت مؤخراً عن السعودية، وهو أن عروض مسرحيات طارق العلي قد نقصت لدينا وانتقلت وزادت لديهم.