احتجبت عنكم الأسبوع الماضي أعزائي القراء وذلك لحضور مؤتمر "الإبداع والتراث لدول طريق الحرير" الذي عقد في الصين وبدعوة من "اليونيسكو"، وقد كانت تجربة مميزة ورائعة تعلمت منها الكثير وغيرت بعض وجهات النظر، وذلك دون أدنى مبالغة.

فالحوار والعمل– وكذلك المرح!- مع أشخاص من مختلف الثقافات يجعل حلم التعايش واقعاً حقيقياً، ويفتح الآفاق لرؤية العالم بصورة أشمل وأعمق، فالمحبة والاحترام بين الأوروبي والآسيوي والعربي والهندي والعمل معاً لحفظ خصوصية وتراث مختلف الثقافات- دون التقليل من شأن أي منها- جعلني أشعر بالأسى على حالنا هنا، فعلى الرغم من صغر حجم دولة الكويت، فإننا غير قادرين على التعايش حتى مع أشقائنا الكويتيين من المذاهب والطوائف المختلفة، فما بالك بالمقيمين! ولنا إسوة حسنة بالصين، حيث زرنا المساجد والمعابد والكنائس هناك، وللجميع حق ممارسة معتقداته بحرية وأريحية تامة دون مضايقات.

Ad

كذلك أعجبني اجتهاد الصينيين وجديتهم في العمل، فلا وقت لديهم لتوافه الأمور والسطحي منها، وذلك هو سر تطورهم، فعلى الرغم من وجود الكثير من الأغنياء في الصين، فإنهم يرون أن البذخ والإسراف والمفاخرة باللباس أمر سيئ، ويفضلون استثمار أموالهم بما هو نافع ومفيد عوضاً عن ذلك، وتعتبر قيم التواضع وحسن الخلق هي الأهم في ثقافتهم، لكن بمجرد أن وطئت قدمي أرض الكويت مجدداً، أدركت الكمية الهائلة من الإعلانات لعيادات التجميل والأسنان والسيارات الفارهة والعقارات ذات الأسعار الخيالية التي تحاصرنا من كل صوب، فهي تستهدف تغييب المواطن وحصر اهتماماته بالقشور، والأهم من ذلك أنها تستهدف محفظته أولاً وأخيراً.

ومن الأشياء اللطيفة في الصين كذلك وجود طلبة عرب وخليجيين يدرسون في الجامعات المرموقة هناك ويتقنون اللغة الصينية، وذلك أمر طيب يدعو للفخر، لكن شيئاً من الانفتاح على الثقافات الأخرى، وكذلك اللغات وخصوصاً الإنكليزية، هو ما يحتاجه الزائر هناك لتسهيل الحركة اليومية، وهذه أمنية صعبة مع إصرار الصينيين على المحافظة على أصالة لغتهم وثقافتهم.

يدرك المرء الكثير من الأمور وتتسع آفاقه عند السفر والتواصل مع المختلف الآخر، وأعني بذلك السفر الحقيقي المقرون بالاحتكاك مع مختلف الثقافات وتجربة المعيشة على طريقتهم، لا سفر التسوق المنغلق على ذاته، فلنكتشف العالم الواسع من حولنا لنعود بتجارب قيمة نثري بها آفاقنا ونظرتنا للأمور.