منذ عام 1995 يحتفل العالم يوم 23 أبريل بيوم الكتاب العالمي. وتقام في كثير من البلدان احتفالات مختلفة بهذه المناسبة لبيان وتأكيد قيمة الكتاب في حياة الإنسان. مع النظر إلى أن هذه الاحتفالات صارت تتخذ أشكالا مختلفة منذ قرابة العقد، بعد أن جاءت التكنولوجيا وثورة المعلومات بما يهدد مكانة الكتاب ويبعد شرائح كثيرة عنه، وعلى رأسهم الأطفال والناشئة.

وأظهر تقرير أصدره المنتدى الاستراتيجي العربي، حول "منجزات الربيع العربي" أن هناك 14.5 مليون طفل لم يلتحقوا بالمدرسة خلال العام المنصرم. وهذا الرقم بقدر ما هو صادم، فهو مخيف ومؤلم بالقدر نفسه، ويشير بشكل واضح إلى ما يمكن أن يكون عليه مستقبل المنطقة العربية المظلم في القادم من الأعوام.

Ad

هذا الرقم يعني أن هناك أجيالا وأجيالا عربية قادمة لا تعرف للتعليم والحرف والكلمة والكتاب طريقا. فضلا عن أنها لن تستطيع التفريق بين الحرف الهندي والحرف الإنكليزي! فكيف بهذه الأجيال العربية أن تستطيع العيش في عالم تقني متطور يعتمد على الكمبيوتر والهاتف النقال، ويتواصل مع الآخر متنقلاً بين مواقع التواصل الاجتماعي، وأخيراً متابعة آخر أخبار العالم من خلال مواقع الإنترنت؟ كيف لنا أن نتخيل حواراً بين طفل متعلم وآخر لا يعرف القراءة والكتابة؟ وكيف يمكن أن يكون شكل العلاقة بينهما، إن نشأت علاقة؟

إن احتفال دول العالم بيوم الكتاب العالمي، إنما يحاول التواصل مع أناس يجيدون القراءة والكتابة. وبالتالي هو يحثهم على تجديد علاقتهم بالكتاب، بصفته مصدر المعرفة الأول للإنسان. لكن، احتفالات دولنا العربية يجب أن تكون مغايرة. احتفالات يجب تصرخ ملء فم ووجع روحها لإنقاذ أطفال الوطن العربي من الجهل والتخلف. تصرخ بملء إخلاصها لأوطانها بأن سير هؤلاء الأطفال على هذا الدرب الوعر، درب الجهل والتخلف سيؤدي بنا أجمع إلى مزيد من العنف والحرب والدم. وبالتالي إلى مزيد من الكوارث والاقتتال والدمار.

إن أطفالاً بلا تعليم وبلا فكر وبلا معرفة وبلا ثقافة هم قنابل موقوتة تسير بيننا. إن تساؤلاً كبيراً ومستحقاً يجتاح العالم بأسره عن سبب استعداد البعض العربي أو المسلم، لأن يلف حول خصره حزاما ناسفا ليفجر نفسه ويقتل أناسا لا يعرفهم، ويهدم مساجد ودور عبادة. أو يقود سيارة ليدهس أناسا تسير على جادة الطريق، ومؤكد أن الجهل واليأس والمعاناة كانت وستبقى أسبابا كامنة وراء ذلك.

كيف بمن تربى وعاش طفولته ومراهقته وشبابه بين صوت الرصاص وأزيز الطائرات وتفجيرات القنابل أن يكون سوياً وهادئاً وقادراً على النقاش والإقناع؟ أجيال وأجيال في وطننا العربي، ما تكاد تختلف معه بالرأي حتى يود لو يقفز عليك ليخنقك وربما ليقتلك، لا لشيء سوى لأنك اختلفت معه! كذب وألف كذب مقولة "الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية"، بل هو يفسد ويفسد ويتعدى ذلك إلى نقمة الآخر عليك، واستعداده لأن يقتلك لأنك اختلفت معه.

إن أوطاننا العربية أحوج ما تكون إلى الاحتفال بيوم الكتاب. وهي أحوج ما تكون لأن تشرك الأسرة بذلك. فنجد خاطئ الظن بأن المدرسة وحدها هي التي يعلم الطفل. بل الأسرة هي المعلم الأول لكل طفل، وهي الحاضن والملقن الأهم لفكر أي ولد أو بنت. لذا إذا أردنا أن ننشئ أجيالا تعرف قيمة الكتاب وتتواصل معه، فعلى الأم والأب احترام قيمة الكتاب، والتنويه به طوال الوقت أمام أطفالهم.

بعض الأمهات الشابات تسرع بتلفونها النقال أو بالكمبيوتر اللوحي لتسكت به بكاء طفلها. وهي تدري أو لا تدري بأنها تسيء بذلك كثيرا لطفلها. فأطفال اليوم يعيشون غرباء عن أسرهم بسبب المربيات، ويكفيهم ذلك، وإلا سيكون مهلكاً لو أبعدناهم عن الكتاب أيضا!