مرة أخرى يضرب الإرهاب قلب أوروبا في توقيت مشبوه، وبنفس الأداة، المتمثلة في تنظيم داعش، أو أبيه الشرعي جبهة النصرة الإسلامية، التي وُلدت يوم مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 14 فبراير 2005! باريس تضرب بهجوم في "الشانزليزيه"، شريان عاصمة النور، قبل 48 ساعة فقط من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وفي أعقاب أيضاً الحزم الدولي الذي بدأ تجاه النظام السوري، والتصعيد الأميركي تجاه دور طهران في دعم الأنشطة الإرهابية بالشرق الأوسط والعالم.

لا يستطيع أحد أن يفسر أن تنظيماً سياسياً، مثلما يطلق عليه "داعش"، يخسر مواقعه واحداً تلو الآخر في الموصل بالعراق وسورية، يقوم بعمليات إرهابية بسيطة وتافهة لكي يزيد العداء تجاهه وتشتد الضربات عليه! إلا إذا كان هذا التنظيم مخترقاً وأداة في يد استخبارات دول تستخدمه لخدمة مصالحها الخاصة، ولاسيما أن معظم قيادات ذلك التنظيم أطلق سراحها من سجون سورية وعراقية لأسباب مجهولة.

Ad

ضربة إرهابية، ولو كانت عشوائية في المعلم العالمي السياحي (الشانزليزيه) من معتوه تم غسل مخه بالخطاب السلفي الذي انتشر في مساجد أوروبا، بدعم خليجي سابقاً للأسف، وأيضاً شخصية مضطربة بسبب العنصرية ونظام عزل المهاجرين في فرنسا، رغم أنه مولود على التراب الفرنسي. مثل تلك الضربة ستملأ وسائل الإعلام العالمية، وستركز على ما يسمى بـ"الإرهاب السُني"، الذي تسبب به خلط الدين بالسياسة، وستشتت الأنظار عن الجرائم ضد الإنسانية التي يقوم بها بشار الأسد وأعوانه في موسكو وطهران وبغداد والضاحية الجنوبية التي تحكم لبنان، ويجعل العالم يفكر في بقاء السفاح بشار الأسد، ليواجه المسخ الإرهابي السُني، وهذه هي المعادلة التي يريد نظام دمشق وأعوانه أن يتبناها الرأي العام الدولي.

كما أن تلك العملية ستدعم مرشحة اليمين المتطرف للرئاسة الفرنسية الانعزالية مارين لوبان، غير المعنية بما يفعله بشار الأسد في شعبه أو طهران بمنطقتها. ولوبان تهاجم اتفاقية شنغن، رغم أن كل منفذي الاعتداءات على الأراضي الفرنسية هم مواطنون بالولادة، ولا يمكن طردهم من أوروبا، ولم يأتِ أحد منهم من الخارج، لكنها خطابات دغدغة العواطف وإحياء روح العداء لدى الناخب للأجانب تدفعه إلى التصويت للمتطرف، كما حدث أخيراً في انتخابات الرئاسة الأميركية.

لا أعرف كيف يكون المسلم السُني في أوروبا أو العالم العربي أو في أي مكان بهذا الغباء عندما يسلم نفسه، ليكون أداة في يد عدوه، ليستخدمه في تحطيم وجوده ومستقبله، فحركات الإسلام السياسي دمرت الكثير من صورة الإسلام والمسلمين، وحطمت ثوراتهم، من أجل الديمقراطية ومحاربة الطغيان والفساد، كما حدث في مصر وتونس وسورية وليبيا واليمن، ولم تنجح الحركة السياسية ذات الفكر الإسلامي سوى في تركيا، بسبب النظام الدستوري العلماني الموجود فيها، لذا فإن كل الحركات السياسية الإسلامية السُنية مطالبة بتحرك، لمعالجة ما تسببت به من كوارث للأمة الإسلامية، وبصفة خاصة حركة الإخوان المسلمين.