الأسلوب الأكثر نجاحاً لتدمير بلد وإغراقه في الفوضى هو إشعال نار الخلاف الطائفي والمذهبي، وقتل روح التسامح والتعايش فيه، وإذا نجح ذلك فإنه يعني الخطوة الأولى للتحول إلى نموذج الدول الفاشلة. دول عديدة حولنا تمر بهذه الحالة، ومحاولات جر مصر إليها لا تتوقف، وليس بعيدا عن هذه المحاولات تلك الأحداث الإجرامية بالاعتداء على الكنائس المصرية منذ أسبوعين والتي أدت إلى مقتل عشرات المصريين من المصلين وبعض رجال الأمن. هذا يأتي في إطار مخططات التفتيت وزعزعة الاستقرار التي تجتاح المنطقة العربية حاليا، وفي قلبها مصر.

ومع استهداف دور العبادة، والكنائس خاصة، بهدف زعزعة استقرار مصر، فالمتوقع في هذه المرحلة أن تتوحد الجهود الداخلية والإقليمية والعالمية لترسيخ الاستقرار في مصر، فكما سبق أن أكدنا مرارا، فإن استقرار المنطقة كلها، بل استقرار أوروبا ذاتها لن يتحقق إلا باستقرار مصر، ومفهوم الاستقرار هنا يتجاوز الحديث عن الاستقرار الأمني ليشمل البعدين الاقتصادي والسياسي.

Ad

ما يجب أن يكون حاضراً في عموم المجتمع هو الإحساس بالخطر، وهو إحساس يتواجد لدى متابعي الأمر، ولكنه ينبغي أن ينتقل بشكل صحي إلى بقية أطياف المجتمع ليتحمل الجميع مسؤولياتهم.

الأسلوب الأمني في معالجة المشكلة أثبت أنه وحده غير كاف، ولكن المؤكد في ظل الأوضاع الحالية أنه هو الأسلوب الأول في هذه المرحلة، ويجب أن يقوم على تنفيذها بشكل رئيسي الأمن الداخلي المتمثل في وزارة الداخلية، مدعوما بما يحتاج إليه من قوات الجيش، لكن العنصر الفاصل في النجاح أمنيا هو المشاركة الشعبية في هذا الأمر، أي أن يتحول المواطنون إلى حراس على أمن الوطن، وهذه عملية كبيرة وحساسة وشديدة التعقيد، وبالتالي يجب التعامل معها بأكبر قدر من الأسلوب العلمي مع الاستفادة بتجارب الآخرين، وهذا يتضمن أساليب خاصة في الخطاب مع أفراد المجتمع ورسائل إعلامية منتقاة بعناية.

مع الأسلوب الأمني قصير الأمد ينبغي العمل على مشروع طويل الأمد، وهذا المشروع يستهدف في الأساس بناء قيم جديدة لهذا المجتمع، وهذا من خلال مراجعة الواقع بكل قيمه التي انتهت بِنا إلى ما نحن فيه، وهذا التغيير لن يتأتى إلا بإعادة بناء منظومة التعليم في مصر بشكل كامل، أما الحلول الجزئية فهي عمليات ترقيع تنتهي إلى زيادة تمزق وخلخلة المجتمع.

الهدف الأساسي في هذه المرحلة هو الحفاظ على عناصر قوة الدولة المصرية، والعلاقة بين المسلمين والمسيحيين يجب العمل على صيانتها وتعميقها.

العلاقة مع الأزهر يجب أن تكون علاقة تعاون، دون الصراع معه، أختلف بشكل عميق مع الكثير مما تحويه مناهج الأزهر، وأعتقد أن تشدداً يعشش في بعض جنباته، لكن هناك حقيقتين يجب أن نؤمن بهما، أنا شخصياً أومن بهما، أولاهما أن شيخ الأزهر الحالي الدكتور أحمد الطيب هو إحدى علامات تاريخ الأزهر، وإحدى أكثر الشخصيات القادرة على إحداث تطوير حقيقي فيه، والأخرى أن الأزهر هو أحد أهم عناصر قوة الدولة المصرية، هو القوة الناعمة الحقيقية المؤثرة في المحيط الإسلامي، وليس من مصلحة مصر الدولة تقزيمه أو تحجيم حضوره، أما المسألة الخاصة بتطوير الخطاب الديني، فهذا أمر يحتاج إلى خطة وعزيمة وزمن وأسلوب علمي للوصول إليه، ولذلك حديث آخر، ولكن قد تكون إحدى الخطوات المهمة هي إنهاء ذلك الازدواج في بعض ممارسات الدولة التي تتسم بالسلفية في الوقت الذي تنادي فيه بتجديد الخطاب الديني، وهذا أيضاً له حديث آخر.