في العادة تكون المعلومات المتعلقة بالوضع الاقتصادي في الصين من النوع الذي يمكن بسهولة التنبؤ به، ولكن في بعض الأحيان توجد مفاجآت وهي صغيرة الى درجة لا تكاد تلاحظ أو يلتفت اليها أحد ضمن مقاييس الدول الاخرى.

وقد حقق النمو الاقتصادي في الصين، وهي ثاني أكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة، نمواً بلغت نسبته 6.9 في المئة خلال الربع الأول من هذه السنة وكان ذلك بفضل التوسع القوي في ميدان المعامل، وفقاً لما صرح به بعض المسؤولين الصينيين في الأسبوع الماضي. وتجدر الاشارة الى أن وتيرة النمو الاقتصادي تسارعت بصورة طفيفة في مدينة شنغهاي بعد خمسة فصول متتالية حققت الصين فيها نسبة نمو تراوحت ما بين 6.7 في المئة و6.8 في المئة، وهي فترة لافتة بالنسبة الى الاستقرار في المعلومات الرسمية في هذا الصدد.

Ad

وجدير بالذكر أن معظم خبراء الاقتصاد توقعوا أن تعلن حكومة بكين تحقيقها نسبة نمو من 6.8 في المئة مرة ثانية خلال الربع الأول من العام الحالي، ولكن الأرقام العالية بقدر طفيف التي تم اعلانها الأسبوع الماضي تعكس الاستخدام القوي في الصين في صناعة البناء التي شملت الفولاذ وهي المادة التي كان من المتوقع أن تكون بطيئة بشكل ما فيما ارتفعت عمليات الاستثمار في معامل الأجهزة الالكترونية نتيجة تحسن الطلب الخارجي على هذه المواد.

وعلى الرغم من ذلك تنطوي معلومات الحكومة الصينية على البعض من اشارات التحذير، وبينما أسهم السيل الجارف من الرهونات العقارية التي قام بها قطاع المصارف الخاضع لسيطرة الدولة في ارتفاع مبيعات المنازل، حقق عدد المنازل الجديدة ارتفاعاً أسرع في فصل الربيع الحالي.

ويمكن اضافة هذا التباين الى عدد المنازل غير المبيعة في وقت يشعر فيه صناع السياسة في حكومة بكين بقلق ازاء نتيجة أن تكون السهولة التي حدثت في قطاع الرهونات العقارية قد رفعت أسعار المنازل الى مستويات غير محتملة على صعيد عملي. وفي الشهر الماضي، على سبيل المثال، وفي مؤتمر الشعب خفض رئيس الوزراء الصيني لي كيكيانغ هدف النمو في بلاده بالنسبة الى هذه السنة الى ما يصل الى نحو 6.5 في المئة أو أكثر اذا كان ذلك ممكناً، ما يشير الى أن حكومة بكين كانت تتوقع درجة أكثر بطئاً في القطاع الاقتصادي.

الموقف الرسمي

أما بالنسبة الى الوقت الراهن فإن المسؤولين الصينيين يستمتعون بفصل قوي وقد سارعوا الى نسبة ذلك الى مجموعة من الاجراءات التي تم اتخاذها في السنة الماضية بغية اغلاق مناجم الفحم والمعامل غير المنتجة وذلك بغية تحسين الانتاجية بصورة اجمالية.

وقال ماو شنغيونغ وهو المتحدث الرسمي باسم المكتب الوطني للاحصاء في مؤتمر صحافي في العاصمة بكين: "منذ السنة الماضية وعبر اصلاحات الامداد تحسنت العلاقة بين العرض والطلب بشكل واضح وأصبحت المشاريع أكثر ثقة".

وتجدر الاشارة الى وجود الكثير من الأسباب التي تدفع الى عدم النظر الى القيمة الظاهرية في الاستقرار الاجمالي المتعلق بالنمو الاقتصادي أو حتى التسارع الطفيف، وبدلاً من ذلك سوف يركز خبراء الاقتصاد بقدر أكبر على المعلومات المفصلة المتعلقة بالتجارة وعمليات البناء وانفاق التجزئة من أجل تحديد ما اذا كانت الصين – وهي أكبر مساهم في النمو العالمي في السنوات الأخيرة – سوف تستمر في تحريك الاقتصاد العالمي.

ولكن على الرغم من ذلك كله فإن الاعتماد على نقاط المعلومات الاخرى يظهر أن الاقتصاد الصيني يمضي الى الحفاظ على الزخم حتى مع قيام بكين بمحاولة كبح الاقراض المرتفع، وعلى سبيل المثال فقد ارتفع معدل الانتاج الصناعي بنسبة 7.6 في المئة خلال شهر مارس الماضي – وهو أفضل أداء منذ نهاية سنة 2014 – كما شهدت الاستثمارات ومبيعات التجزئة أيضاً درجة غير متوقعة من التحسن والقوة.

ويتمثل الجانب المهم هنا في الاستمرار في ذلك النمو فيما تعمد الصين الى محاولة الحد من الاعتماد على القروض من جانب البنوك المملوكة للدولة والانتقال الى مشاريع كبيرة مملوكة للدولة والتي سمحت لتلك المشاريع بالاستمرار في عمليات الانفاق والاستثمار حتى في المشاريع التي أفضت الى خسائر مالية، وكانت حكومة بكين مترددة ازاء التعرض الى موجة احتجاجات بسبب تحجيم الاقراض في هذه السنة وخاصة في ضوء المؤتمر الكبير للحزب الشيوعي الذي ينتظر أن يعقد في أواخر فصل الخريف المقبل.

ثبات النمو غير المعتاد

من جهة اخرى، تظهر المعلومات الرسمية أن اقتصاد الصين حقق نمواً بنسبة راوحت بين 6.7 الى 7.2 في المئة خلال الفصول الـ11 الماضية، وهي فترة استقرار طويلة بصورة مذهلة في المقاييس الدولية. وبالمقارنة يمكن أن تتحرك أرقام النمو في الولايات المتحدة بنقطة مئوية واحدة أو اثنتين من ربع الى ربع.

ولكن الصين ليست على وجه التحديد بقية العالم، وعلى سبيل المثال فإن حكومة بكين تسيطر على بنوكها الكبيرة وعلى الشركات الضخمة المملوكة للحكومة وغيرها من الأدوات التي تستطيع استخدامها من أجل بلوغ أهدافها في النمو، كما أن الحكومة تنفق بكثرة على الطرقات والخطوط الحديدية الجديدة، اضافة الى أن الارتفاع الكبير في الانفاق الحكومي الذي تحقق في شهر مارس الماضي قد ساعد على دفع الاقتصاد الى الأمام، ولكن الحكومة تتمتع بقدر أقل من السيطرة على انفاق التجزئة والاستثمارات الخاصة وهي الجوانب التي تجعل المعلومات أكثر تقلباً.

الإنتاج الاقتصادي الصيني

من جهة اخرى، كان خبراء الاحصاء في الصين يبلغون عن استقرار غير معتاد في النمو الاقتصادي طوال السنوات المتعددة الماضية ما يثير أسئلة حول مدى التعويل على المعلومات الرسمية.

وسبق أن قال المسؤولون الصينيون أنفسهم إن معلومات بلادهم يمكن ألا تكون موثوقة وذلك على الرغم من عدم توثيق عمليات احتيال وخداع جلية على المستوى الوطني في ذلك البلد، كما يعتقد العديد من الاقتصاديين أن بكين تستخدم مزيجاً من السياسة والبيانات الاحصائية من أجل تحقيق نتائج ثابتة، ومن خلال هذه النظرية يتحرك صناع السياسة في الصين لنيل الأشياء التي يسعون اليها ومنها على سبيل المثال توسيع الانفاق على عمليات البنية التحتية واقراض الرهونات العقارية خلال فترات التباطؤ الاقتصادي ولكنهم ينهمكون أيضاً في تلطيف المعلومات من خلال فهم النمو في السنوات الجيدة الأداء وتضخيم النمو في السنوات الصعبة.

وعلى الرغم من الشكوك تشير الأرقام المعلنة الاخرى الى أن اقتصاد الصين يتوسع بوتيرة قوية وراسخة.

وكانت توقعات الاقتصاديين تشير الى أن الانتاج الصناعي في الصين سوف يحافظ في شهر مارس الماضي على النمو ذاته بنسبة 6.3 في المئة التي حققها في يناير وفبراير وقد فوجئوا بالاعلان الذي صدر في الأسبوع الماضي بأن ذلك الانتاج ارتفع الى 7.6 في المئة، وذلك يعني أن المعامل في الصين استمرت في العمل بقوة، وتشكل الصادرات أحد الأسباب وراء ذلك حيث يبدو أن شهية العالم تظهر المزيد من الطلب على أنواع الأشياء التي تنتجها الصين وتصدرها الى الخارج، كما أن قرار وزارة الخزانة الأميركية في الأسبوع الماضي عدم تسمية الصين دولة متلاعبة بالعملات على الرغم من الوعد الذي قطعه الرئيس دونالد ترامب خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة يزيل خطراً محتملاً آخر يهدد صادرات الصين.

وتجدر الاشارة الى أن أجهزة المستهلكين الالكترونية قادت طفرة صادرات الصين في السنوات الأخيرة كما كانت في قلب الزيادة التي تحققت في زيادة الطلب المحلي، ويستمر الانتاج في الارتفاع بقوة على أجهزة مثل الهواتف الذكية واللمبات الموفرة للطاقة التي تشكل بديلاً لأضواء الفلوريسنت التقليدية.

وقال ليو رولنغ، وهو في الخامسة والعشرين من العمر ويعمل بائعاً في شركة غوانغجو جوهنغ للأضواء في جنوب الصين، إن مبيعاته ارتفعت بنسبة 20 في المئة وأضاف أنه كان يتوقع الحصول على مكافآت شهرية في فصل الربيع الحالي تتراوح بين 1160 و1450 دولاراً وأن البعض من زملائه حصلوا على مكافآت بمبالغ أكبر، مشيراً الى أنه "لا يزال في منتصف الطريق – وأن بعض الباعة حققوا درجة أفضل كثيراً".

دور قطاع العقارات

يعتبر قطاع العقارات عاملاً كبيراً ومؤثراً في النمو الصيني، وفي العام الماضي حث البنك المركزي الصيني البنوك التجارية على زيادة اقراض الرهن العقاري من أجل دعم سوق الاسكان الذي شهد تراجعاً في البعض من المدن الصينية، وقد أفضى الرهن العقاري الاضافي الى موجة واسعة من الشراء خلال السنة الماضية.

من جهة اخرى أظهر شهر مارس الماضي درجة زائدة من انتاج الصلب في العام الماضي مع بداية انطلاق عمليات البناء، وهكذا كان يتوقع أن يشير شهر مارس الماضي الى تباطؤ، ولكن انتاج الصلب في الشهر الماضي قفز بنسبة 7.1 في المئة عن مستويات السنة الماضية.

يأتي ذلك كله وسط مؤشرات إلى أن الصين تحاول الحد من الاقراض الذي كان المحرك وراء الكثير من نموها في السنوات الأخيرة، وقد حافظ ذلك الاقراض على استمرار الاقتصاد ولكنه أفضى الى ديون ثقيلة أثارت قلق الاقتصاديين من أن يعوق نمو البلاد لسنوات عديدة مقبلة، ويبدو حتى الآن أن الضغط الحكومي المتواضع على البنوك للحد من الاقراض وخاصة عبر زيادة طفيفة في معدلات الفائدة في الأجل القصير قد حقق تأثيراً محدوداً على الاقراض الاجمالي من جانب البنوك وعلى اقراض الرهن العقاري بقدر طفيف.

استمرار بناء المنازل

المعروف أن العائلات الصينية تخصص ما يصل الى تسعة أعشار ما توفره للعقارات، وهي نسبة أعلى مما تقوم به العائلات في العديد من الدول الاخرى، وقد استمر ذلك المسار في انتاج وتحقيق طلب قوي على الشقق الجديدة الذي أفضى بدوره الى وتيرة بناء سريعة.

وقد أظهرت معلومات الائتمان التي نشرت في الأسبوع الماضي أن قروض البنوك الى العائلات في الصين – وهي فئة يلعب فيها اقراض الرهن العقاري دوراً بارزاً – قد قفزت بنسبة 24.6 في المئة خلال شهر مارس الماضي مقارنة مع الشهر ذاته قبل سنة خلت، إلى جانب أن فئات الاقراض الاخرى بدأت تظهر درجة ما من التباطؤ.

ولكن مكتب الاحصاء الوطني قال في الأسبوع الماضي إن الاستثمار الاجمالي في الأصول الثابتة، بما في ذلك المعامل وأبراج المكاتب والشقق، قفز بنسبة 8.8 في المئة خلال الربع الأول من هذا العام، وهو ما يمثل تغيراً طفيفاً عن الوتيرة التي وصلت الى 8.9 في المئة في أول شهرين من السنة على الرغم من الخطوات المتواضعة التي اتخذها البنك المركزي من أجل الحد من الائتمان. ومن جهة اخرى تسارعت وتيرة الاستثمارات الخاصة خلال شهر مارس الماضي لتخالف التباطؤ الطفيف في الجانب الذي يظل استثماراً كبيراً من جانب الحكومة وخاصة في ميدان الخطوط الحديدية وغيره من عمليات البنية التحتية.

الكسب والإنفاق

على صعيد آخر، ارتفعت أجور العمال في الصين بما يعادل ثمانية أمثال خلال الـ 12 عاماً الماضية، وقد بدد ذلك الميزة التي كانت تتمتع بها الصين في الماضي في ما يتعلق بتكلفة اليد العاملة لدى مقارنتها بالأجور في الدول الغربية، ولكن ذلك أفضى أيضاً الى ارتفاع عريض القاعدة في الانتعاش الذي عزز زيادة في انفاق المستهلكين.

تجدر الاشارة الى أن حكومة بكين كانت تريد طوال العديد من السنوات الماضية تحقيق انتقال الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على الاستثمار والتقدم نحو تعويل أكبر على الاستهلاك ولكن تلك العملية كانت بطيئة.

وقال مكتب الاحصاء الوطني، الأسبوع الماضي، إن مبيعات التجزئة ارتفعت بنسبة 10.9 في المئة خلال مارس عن سنة خلت، وهي نسبة تجاوزت بقدر كبير توقعات الاقتصاديين التي كانت تتحدث عن وتيرة تقل عن 10 في المئة.