أعرب عدد من المحللين والصحافيين عن اعجابهم بتقييم شركة أرامكو السعودية، وفي الماضي القريب تراوحت التقديرات المتعلقة بهذه الشركة بين 400 مليار دولار وتريليوني دولار، وسوف تعرف القيمة السوقية الحقيقية لأرامكو عندما يتم طرح الاكتتاب الأولي لها، وفي عدد لا يحصى من المرات حاول المحللون تقديم تقييم لشركات وخاصة عندما تسعى الى الخصخصة، ليكتشفوا في وقت لاحق القيمة الحقيقية عند اتمام عملية البيع في السوق. سؤالان مهمان يتعلقان بشركة أرامكو وهما: ما السبب وراء عرضها لعملية خصخصة؟ وماذا ينتظر أن يحدث بعد ذلك؟

هنا يبدأ أساس الاصلاح، والتغير يطرح مع السؤال حول "جوهرة التاج" بقدر يفوق أي شيء آخر، ولا يمكن استبعاد عرض الاكتتاب الأولي عن الهدف الأكبر المتمثل في التحول الاقتصادي والاجتماعي في السعودية وهو هدف لا يمكن تحقيقه بسهولة، وقد نجحت السعودية حتى الآن في تحفيز شهية المستثمرين ومن بين مصرفيي الاستثمار هناك دولة واحدة على الأقل تسعى الى هذا الهدف وهي السعودية وتتبعها روسيا، وقد تمكنت الرياض من جعل أجندة الاصلاح فيها قضية النقاش الأولى في كل مجالس ادارات الشركات ولا تزال عملية تحويل شركة أرامكو الى مؤسسة تتمتع بقدر أكبر من الشفافية موضع بحث على شكل جزء من عملية التحول هذه.

Ad

وتعتبر خطوة خفض 50 في المئة من الضريبة التي أعلنت في الآونة الأخيرة عقيمة وغير واضحة، ولو أنها ظلت عند نسبة 85 في المئة لكان المستثمر أقل اهتماماً على الأرجح ولكن خفضها يعني أن السعودية سوف تحصل على دخل أقل. ومن الطبيعي ألا نتمكن من ارضاء الكل، ولكن السؤال المهم ليس ما سوف يكون عليه حال الـرسوم البالغة 20 في المئة، بل ما سوف يكون عليه سعر الشركة بعد عملية البيع، وفي الظاهر سوف ينخفض دخل الدولة نتيجة البيع ولكن ذلك لا يشكل قلقاً فورياً.

تصريحان مهمان صدرا في الآونة الأخيرة، الأول كان لوزير المالية السعودي الذي قال إن الخفض في نسبة الضرائب التي تدفعها شركة أرامكو الى الحكومة لن تؤثر على الوضع المالي للدولة، والثاني كان لوزير الطاقة الذي قال إن أي خفض في عوائد الضرائب سوف يستبدل من خلال مدفوعات المصادر الاخرى الثابتة الناجمة عن منتجي الهيدروكربون الى الحكومة. ومن المتوقع عبر استخدام عوائد الدولة من المصادر غير النفطية في السنوات القليلة المقبلة أن يتقرر ما اذا كان قرار خفض معدل الضريبة جيداً أم سيئاً، ثم إن تحويل السعودية الى اقتصاد أقل اعتماداً على الكربون ينطوي على أهمية بالغة، وباختصار فهي مسألة تتعلق بكيفية احتفاظ السعودية بمصادر جديدة للدخل عن طريق استثماراتها.

وفي صلب هذا التحول في الاستثمار يكمن صندوق الاستثمار العام الذي سوف يحصل على عوائد الاكتتاب الأولي لشركة أرامكو والذي توكل اليه عمليات تنويع استثمارات البلاد، ومع مرور الوقت سوف يصبح المؤسسة الأكثر أهمية بالنسبة الى تحقيق الدخل الذي يعالج معدل الضرائب الأدنى والابتعاد أيضاً عن المصادر المتمثلة في النفط. ومن المتوقع أن يشجع ذلك المنافسة السليمة وليس النزاع في هذا المجال، ومن المهم أيضاً ابراز دور التنسيق بين وكالات الدولة وهي النقطة التي تحدث عنها رئيس صندوق الاستثمار العام الأميرمحمد بن سلمان.

وتشكل الدماء الجديدة في صندوق الاستثمار العام ضرورة كبيرة مع طرح الاكتتاب الأولي لشركة أرامكو لأنه يعمل على تحسين وتنفيذ الاستراتيجية المؤسساتية في السعودية، ومنذ تأسيسه في سنة 1971 عمد هذا الصندوق الى الاستثمار في مشاريع محلية، وهو يملك 70 في المئة من شركة الصناعات الأساسية للبتروكيماويات السعودية التي تعتبر الأكبر من نوعها في العالم، ومن المتوقع أن تظل ملكية الأكثرية في هذا المشروع في يد صندوق الاستثمار العام، ولكن قد يحدث بعض التنويع البسيط في المستقبل.

ومعظم القطاعات الحيوية الاقتصادية تتعلق وترتبط بصندوق الاستثمار العام وهو مكلف في الوقت الراهن بمعالجة اعادة هيكلة أصوله الواسعة المحلية فيما يعمل على وضع استراتيجية دولية أيضاً، وليس من السهل على الاطلاق تحقيق هذا الهدف كما يصعب تبرير الخطأ في هذا الشأن ولكن ذلك لا يمكن تفاديه بالنسبة الى صناديق الثروة السيادية وشركات الاستثمار الخاصة. وتشبه مؤسسة الاستثمار الصينية التي تأسست في سنة 2007 تركيبة صندوق الاستثمار السعودي وقد تعرضت الى تغييرات في الأصول والادارة خلال هذه الفترة القصيرة من العمل، وحتى المؤسسات الاستثمارية الأكثر نضوجاً تجد ذلك صعباً ويشكل تحدياً كبيراً.

ويتمثل الجانب الأكثر أهمية في أن على السعودية الاستثمار ليس فقط في قطاعات ترتبط بقدر طفيف بالهيدروكربون بل في مجالات تسهم في تطوير قطاعاتها التي اشتملت عليها رؤية الاقتصاد في 2030، وتشمل هذه الاستراتيجية الاقتصادية السياحة والتصنيع العالي القيمة والميادين اللوجستية والطاقة المتجددة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم اضافة الى العديد من القطاعات الاخرى.

ويتعين ألا يقتصر الزخم على القطاع الخاص بل على تنويع الاستثمارات وتعتبر اعادة هيكلة الشركات القائمة واعادة تموضع رأس المال في هذه المشاريع الجديدة أحد مصادر التمويل كما أن الاستثمارات الدولية تلعب دوراً مهماً مماثلاً في تحقيق هذه الأهداف المرجوة.