اللعب على تناقضات الأمم الدينية والمذهبية والعرقية أهم استراتيجية مارستها وتمارسها الدول الغربية الاستعمارية لمواصلة هيمنتها على منطقة الشرق الأوسط التي تزخر بهذه التناقضات والاختلافات أكثر من أي منطقة أخرى في العالم، تناقضات عرقية ودينية وطائفية صارخة بين الكرد والعرب والقوميات الأخرى وبين البربر والعرب المغاربة، وبين المسيحيين والمسلمين في لبنان، فاندلعت حروب ومآسٍ متواصلة على أساس إثني وديني ذهب ضحيتها مئات الآلاف.

بالطبع لم يكن بمقدور الدول الغربية أن تفرض سيطرتها على الشعوب والأمم الإسلامية وتخضعها لأهدافها الاستعمارية لولا استعداد تلك الشعوب لقبول سياساتها والإذعان لها بحسب قول الفيلسوف الجزائري (مالك بن نبي)، ولعل الخلافات العميقة بين الكرد والعرب العراقيين وصراعهما المستمر لعقود هي الأكثر إشكالا وبروزا في الواجهة الإعلامية العالمية، والاختلافات بين العرقين شاملة لا يمكن حصرها بجانب دون آخر، فهما مختلفان ومتناقضان في كل شيء، هناك فوارق إثنية واجتماعية ولغوية وثقافية وتاريخية وجغرافية شاسعة بين الشعبين، كل واحد له عالمه الخاص وعاداته وتقاليده التي يعيش فيها، جربت الحكومات العراقية المتعاقبة كل الوسائل "القمعية" من دمج المجتمعين والشعبين المختلفين في بوتقة "وطنية" واحدة لكنها فشلت، وجربت حملات التعريب والتبعيث والتهجير وقصفت مدنهم بالأسلحة الكيماوية، ومارست كل الجرائم الوحشية بحقهم للاستيلاء على مناطقهم تمهيدا لضمها الى العراق "العربي"، ولكنها أخفقت. وعلى الرغم من أنها خلفت مشاكل وأزمات عرقية واجتماعية لا تحصى مازال العراق يعانيها ويعجز عن حلها.

Ad

ورغم سقوط النظام القومي التسلطي عام 2003 وتشكيل دولة قائمة على الشراكة الوطنية والبرلمان التعددي والدستور، فإن نتيجة هيمنة التحالف الوطني الشيعي على مقاليد الحكم وإصراره على تقوية السلطة المركزية على حساب الأقاليم وتهميش مواد الدستور، وفرض أجندته السياسية على القوى الأخرى وإبعادها عن القرار السياسي المصيري، وافتعال الصراع الجانبي معها، عادت الأمور تدريجيا إلى ما كانت عليه سابقا، وتدهورت العلاقات بين مكونات المجتمع العراقي والفرقاء السياسيين إلى أن وصل الأمر إلى فرض حصار شامل على إقليم كردستان وقطع الميزانية عن موظفيه، وهو ما أدى في النهاية برئيس الإقليم "مسعود برزاني" إلى المطالبة بالانفصال عن العراق وقطع كل صلة به، رغم رفض بغداد والقوى السياسية العراقية مطالب الكرد، فإن معظم الشعب الكردي مع الاستقلال، حيث أجري استفتاء غير رسمي على هامش الانتخابات التشريعية لعام 2005، وصوّت 97% من الشعب للاستقلال والانفصال عن العراق، وهذا الشعور يزداد عمقا وتجذرا يوما بعد يوم.

وما يعلنه رئيس إقليم كردستان "مسعود برزاني" عن نيته إجراء الاستفتاء وإعلان الدولة المستقلة بين حين وآخر تجسيد لأماني الشعب الكردي وتطلعاته.

يبدو أنه قد نفض يده تماما من بغداد وخاب أمله فيها؛ لذلك قرر أن يسير في طريق الاستقلال وإجراء الاستفتاء في السنة الحالية، وقد انتهز فرصة زيارة الأمين العام للأمم المتحدة الأخيرة إلى أربيل ليؤكد له دوافع الكرد في إجراء الاستفتاء على الاستقلال "قريبا" لإطلاع العالم على إرادة الشعب الكردستاني وحقه في تقرير مصيره"، واجتمع أيضا بالقناصل ورؤساء البعثات الدبلوماسية في أربيل وأطلعهم على سعيه نحو الاستقلال، فهل نشهد تأسيس دولة كردية في المنطقة قريباً؟!

* كاتب عراقي