مقياسي الحاسم لقوة الحكومة ليس في كثرة النواب والسياسيين وبعض المخلوقات التي عادت إلى الساحة السياسية بعد أن تجرعت الفشل تلو الفشل في انتخابات المجلس الوطني وانتخابات بعد التحرير، مقياسي وبكل فخر أكشفه لأنه من أسرار المهنة، هو (رضا أو سخط) العجائز والرعيل الأول، وما قبل الميلاد على الحكومة وخصوصا الوزراء الشيوخ فيها.

هؤلاء هم "بركة" الحكومة وحصنها الحصين الذي يصد أي رأي معارض ينطلق من البيت، هم أول من يلبي نداء المشاركة بكثافة في الانتخابات، وفي السنوات الأخيرة التي كثرت فيها تلك النداءات صار "الشايب" ينام والجنسية مخبأة في جيبه العلوي.

Ad

الرعيل الأول، يا ويل من ينتقد الحكومة في حضرتهم لأن الشكوى من زحمة الطرق لديهم بمنزلة الدعوة للانقلاب والتذمر من أزمة القبول في الجامعة يستلزم إبلاغ أمن الدولة فورا عن الحفيد العاق، ونهاية الحديث معهم إما كلمة مذمومة أو "طفاية" محذوفة.

ماذا حدث للرعيل الأول وبركة الحكومة؟ وكيف تبدلت صورتهم النمطية من الموالاة العتيدة إلى السكوت في أفضل الأحوال عن المخططات الانقلابية التي يحوكها الأحفاد أمامهم في صالة المنزل أو على طاولة الطعام؟ هل مسهم الضر رغم زهدهم بمباهج الحياة؟ وهل شعروا بتغير أجبرهم على التغير؟

الجواب بسيط وملخصهم أن الرعيل الأول وبركة الحكومة، تعبوا من الكلام الكبير دون حاصل ولو بسيط، تعبوا من الوقوف المتكرر أمام صناديق الاقتراع، جربوا كل شيء، بدلوا تصويتهم أكثر من مرة، شعروا أن الأمور تتجه إلى الأسوأ كلما ساروا في الطريق نفسه، تيقنوا بعد طول صبر وأناة أن مكان العلة ليس في مجلس الأمة ولا في المتذمرين إنه في جزر الواق واق الديمقراطية.