لا تعنيني كثيراً تحركات من يطلق عليهم جماعة الـ 80، فالموضوع بالنسبة إليّ محسوم سلفاً بضرورة ضمان حق التقاضي للمواطنين في مسائل الجنسية حتى لا تصبح الجنسية سند المواطنة ساحة ابتزاز وتصفية حسابات، لكني في المقابل مع حقهم وحق من يشاء بالتحرك والتجمع والعمل السياسي والاجتماعي، وكذلك حق مقابلة صاحب السمو الأمير أو غيره ممن يريدون أن تصله رسالتهم في بلد ديمقراطي - كما ندعي دائماً - مثلما هذا الأمر والحراك المجتمعي متاح لغيرهم من رجال دين أو شيوخ قبائل أو فعاليات اقتصادية وتجارية ورياضية، وكل من له غاية أو مصلحة يريد تحقيقها.

ما لفت انتباهي هو سرعة التصنيف لجماعة الـ 80 بالعنصرية، بهدف كسر صورتها وعزلها، تمهيداً لتهميش تحركها والتقليل من تأثيره اجتماعياً وسياسياً، وسأفاجئكم ربما بالقول إن هذا الأمر لا يعني لي الكثير أيضاً، فقد تكون الجماعة عنصرية فعلاً، رغم أن هذا الأمر يحتاج إلى الدخول في النوايا، وأنا لم أملك هذه القدرة حتى الآن ولا أنتم، وما فهمته أن أهم طلباتهم كانت تتمحور حول قضايا التزوير المتعلقة بمسائل الجنسية بالتحديد، ورغم استبعادي لفكرة وجود من يريد حماية المزورين أصلاً، فإن ذلك لا يمنع من إجراء نقاش موضوعي بعيداً عن التشنج والانفعال حول هذه الجزئية، ومن يظن أنه هو المستهدف بها فعليه التصدي لها بردود قانونية وسياسية ومنطقية والحجة بالحجة، بعيداً عن محاولات الاندفاع بالترهيب والإقصاء في هذه القضية أو أي قضية أخرى يتم تداولها بتهم العنصرية وما شابهها، أما إذا لم تجد ما تواجه به خصومك ممن لا تعجبك أفكارهم في كل معركة إلا تهمة العنصرية، فقد تكون أنت العنصري من حيث لا تدري، و"أسقطت" ما في نفسك على الآخرين، أو ربما تدري ولكنك "تستعبط" و"تسوق الهبل عالشيطنة" كما يردد إخوتنا المصريون.

Ad

إذا وصلتم إلى هنا فإنني سأفترض أنكم قرأتم كل المكتوب أعلاه ووصلتم لما يعنيني الآن، وقبل أن يستعجل أي طرف بتصنيفي أنا أيضاً، فإنني سأسحب كل كلامي أعلاه مؤقتاً، وأقرر معكم أن جماعة الـ 80 عنصرية فعلاً، نعم أكرر ما قرأتموه، جماعة الـ 80 عنصرية، وتضم أفراداً مشهورين ومعروفين تاريخياً بعنصريتهم ونظرتهم الفوقية للقريب قبل البعيد، ومع ذلك لا أظن أنه يحق لأحد في الكويت أن يصفهم بالعنصرية، بل ولا يحق لأحد أن يصم أحداً بهذه الصفة هنا، وأجد أن من العنصرية تصنيف الآخرين بالعنصرية، وبالتالي يجب علينا نزع هذه التهمة من قاموس أسلحة اتهاماتنا السياسية والاجتماعية أصلاً، ليس من باب الأدب والأخلاق والتسامح أدعو لذلك، لا سمح الله، بل لأننا كلنا عنصريون مهما حاولنا خداع أنفسنا برفع الشعارات المثالية والدفاع عن القضايا البعيدة العادلة، فالكلام بـ "بلاش"، والعبرة بالممارسة في الحياة والتجارب والتعاملات اليومية، فأن تترشح أو تنتخب في انتخابات فرعية قائمة على فكرة أن قبيلتك أفضل من غيرها وفخذك أهم من بقية الأفخاذ، ثم تحدد مواقفك السياسية حسب أصل أو عرق أو مذهب من يتبناها، وتطالب بتجنيس أو بإرجاع جنسية السني وتتجاهل الشيعي والمسيحي، كما يعاير بعضكم الآخر بتاريخ الاستيطان أو جهة المغادرة أو وسيلة السفر أو مهنة الأجداد، وتنادي كل بنغالي "شركة"، وكل هندي "رفيق"، وكل عربي "يا معلم"، وتريد أن تستخف دمك وتستعرض قدراتك الجنسية - الجنسية المقصودة هنا هي سند المواطنة محل البحث - على جميع الوافدين والمستضعفين، ثم لك عين بعد ذلك أن تحدثني عن العنصرية؟!

يا عمي إنت إذا دخلت الدوار بسيارتك ورأيت القادم من اليسار سيارة رخيصة أو تاكسي جوال تجاوزت حقك ورميت نفسك بنهر الطريق، وإذا كانت سيارة غالية الثمن أو الذي يقودها من ذوي الغتر احترمت نفسك وانتظرت مروره الكريم، لا أتخيل الآن إلا مشهد خدمكم وحلاقينكم وعمال نظافتكم وجميع من يعرفكم ويتعامل معكم وهم يسمعون أو يقرأون كلامكم في مواقع التواصل عن نبذ ونقد العنصرية والعنصريين... يهزون رؤوسهم مندهشين من كمية الانفصام ويرددون "هذا نفرات واجد كداب"!