قام مواطن ايطالي يدعى ماريو بفتح حساب مصرفي في أحد البنوك المحلية في مدينة فيسنزا في سنة 1992، وقد مكنه ذلك من الحصول على فرصة لسحب يتجاوز رصيده بما يعادل 10000 يورو، وكان في حاجة الى ذلك المبلغ من أجل دفع فواتير شركة المنسوجات التي يملكها، وخلال السنوات التالية ازدادت مشاكل شركته النقدية سوءاً، وفي سنة 2013 وبعد أن تجاوز ماريو حدود السحب بـ 7000 يورو (9300 دولار) قدم له البنك قرضاً بقيمة 50000 يورو.

كانت دفعة التسديد الأولى تستحق في شهر يناير 2014 وعلى الرغم من ذلك تقدم ماريو في شهر يونيو بطلب اشهار افلاس، وتقدم البنك الذي يطالبه بمبلغ 70000 يورو الآن بدعوى أمام القضاء بصفة دائن، وفي شهر ديسمبر باع القرض مقابل 5 في المئة من قيمته الاسمية الى شركة اقراض ايطالية تدعى بانكا آي اف آي اس، وبحلول شهر أبريل التالي سدد ماريو 17000 يورو وقامت الشركة عندئذ بابلاغ المحكمة بتسوية عملية الافلاس.

Ad

والمدهش أن ماريو حصل على قرض جديد، وتقول أندريا كلامر وهي رئيسة قسم الديون المعدومة في شركة بانكا آي اف آي اس إن مثل ذلك الغموض يعتبر مهماً من أجل فهم الديون المتراكمة المعدومة، وقد اجتمعت ممارسات الاقراض المريبة والمحاكم الضعيفة والركود الطويل لخلق قروض تصل الى 331 مليار يورو من الديون «المتردية» بما في ذلك 197 مليار يورو من القروض العديمة الأداء بحلول شهر يونيو من العام الماضي (انظر الرسم البياني المصاحب)، وعند 21.4 في المئة من اجمالي قروض ايطاليا كان ذلك أكثر بأربع مرات من نسبة سنة 2008 وثلاثة أمثال متوسط الاتحاد الأوروبي.

وبحسب تقديرات جمعية البنوك الايطالية فإن نسبة تصل الى 80 في المئة من نمو القروض المعدومة الأداء يمكن أن تنسب الى نظام العدالة المدنية (وهو العامل الفردي الأكبر بصورة جلية) ونمو الاقتصاد البطيء (وهو العامل الثاني)، اضافة الى نظام الضرائب، وبشكل متوسط تستمر عملية الافلاس 7.4 سنوات ويتم حل ربع القضايا خلال فترة تقل عن السنتين، بينما تستمر بعض الدعاوى الى أكثر من عقدين من الزمن.

وقد تضاعف عدد الديون المعدومة من حيث القيمة أربع مرات منذ سنة 2008 كما تقول أندريا ميغنانيلي من «سيرفد»، وهي مؤسسة توفر المعلومات في هذا الشأن، ولكن لم يكن هناك بنك ضاعف عدد موظفيه أربع مرات لمعالجة تلك الزيادة، وقد عزفت شركات الاقراض عن بيع قروضها، ويحتفظ العديد من تلك الشركات بالقروض في سجلاتها عند نسبة تصل الى 40 في المئة من قيمتها الاسمية، بينما كان المستثمرون على استعداد لدفع نصف المبلغ بشكل تقريبي، وتعتبر نسب رأسمال البنك ضعيفة في الأساس، وعملية التخلص من القروض سوف تضاعف الوضع بكل تأكيد.

وتعثرت جهود الحكومة الرامية الى تحسين السوق، كما أن خطة غاكس للضمان الحكومي لأسهم مدعومة بالديون العديمة الأداء قد استعملت مرة واحدة فقط منذ بداية العمل بها في شهر فبراير من العام الماضي، واضافة الى ذلك فإن «أتلانته» وهو صندوق بنوك خاصة تأسس من قبل الحكومة من أجل اطلاق أسواق ديون معدومة لم يتمكن من جمع رأس المال المرجو، وكانت السنة الماضية الأولى منذ عام 2008 التي شهدت هبوطاً في اجمالي انكشاف القروض عديمة الأداء في ايطاليا. وتتوقع جمعية البنوك الايطالية أن تستمر حصة تحول القروض الحالية الى معدومة خلال العامين المقبلين، وقد استقر مخزون الديون المعدومة في السنة الماضية وفي هذا العام ثمة توقعات بأن يتم بيع المزيد من تلك القروض.

ضغوط البنك المركزي الأوروبي

في أعقاب ضغوط البنك المركزي الأوروبي الرامية الى جعل ميزانية البنوك خالية من الشوائب اضطرت تلك البنوك الى طرح خطط تفصيلية. وفي شهر فبراير الماضي وافق بنك يوني كريدي وهو أكبر بنوك ايطاليا على اتفاق مع صندوقي فورترس وبيمكو للتخلص من ديون معدومة بقيمة 17.7 مليار يورو. ثم التزم بنك انتيسا سان باولو وهو ثاني أكبر البنوك الايطالية بخفض مخزونه المتدهور من الائتمان بما يصل الى 15 مليار يورو خلال ثلاث سنوات – كما أن من المتوقع أن يكشف بنك مونتي دي باسشي دي سينا عن خطة جديدة حول قروض عديمة الأداء بقيمة 27.8 مليار يورو.

وتشكل القروض غير المضمونة – مثل قرض ماريو – حوالي نصف مجموع القروض أما البقية فهي مضمونة برهونات عقارية تردت قيمتها نتيجة هذه الأزمة على أي حال، وفي سنة 2014 افتتح الجبريس وهو مدير أصول مكتباً في ايطاليا بغية التخصص في قروض معدومة مدعومة برهونات عقارية، وقد استثمر معظم المبلغ الذي جمعه لصندوقه الأول بقيمة 437 مليون يورو، وهو الآن – بعد أن تعافت أسعار العقارات بصورة طفيفة – يعمل لجمع صندوق آخر بحوالي مليار يورو.

اتهام السلطات الأوروبية

البعض يتهم السلطات الأوروبية بأنها كانت قاسية بقدر كبير على البنوك الايطالية التي كان يمكن لو أعطيت المزيد من الوقت أن تحقق نتائج أفضل في قروضها المعدومة، وفي العشرين من شهر مارس الماضي يبدو أن البنك المركزي الأوروبي لاحظ هذا الجانب. وقد شددت الخطوط الارشادية من جديد على الحاجة الى الاتفاق على القروض المتردية، ولكنه قبل حقيقة أن ذلك قد يحتاج الى وقت، وفي غضون ذلك يستطيع خبراء الديون المعدومة الاشارة الى تحقيق قدر من النجاح. وباع كريديتو فالتنليز وهو بنك متوسط الحجم قسمه من ادارة القروض عديمة الأداء الى سيرفيد في سنة 2015، وفي العام التالي ازداد تحصيل القروض المعدومة بنسبة وصلت الى 92 في المئة، وذلك بفضل مضاعفة عدد موظفيه وتطبيق أنظمة تقنية معلومات أفضل وأجور ذات صلة بالأداء، ولم يكن ذلك انجازاً متميزاً لكنه كان أفضل مما يستطيع بنك ماريو المحلي انجازه.