لن أملّ من التحذير من أن من الأهداف لدى أعداء الدولة المصرية أن يتم هزّ كيانها وضرب مراكز القوة فيها، أو خلق حالة من الصراع بين هذه المراكز، وجزء مما يحدث لتحقيق ذلك في هذه المرحلة هو ذُلك الفعل المزدوج من الهجوم على الأزهر كمؤسسة تشكل المنبر الأساسي في العالم الإسلامي وكأحد عناصر قوة الدولة المصرية، هذا من جانب ومن جانب آخر زرع أسباب للخلاف والصدام بين هذه المؤسسة التي تشكل- كما قلت- أحد عناصر قوة الدولة المصرية، وبين بقية عناصر قوة هذه الدولة، وهذا من خلال دق أسافين الخلاف أو النفخ في نقاط الجدل الذي يطرح، ويبدو فيه مساحة من الاختلاف في الرؤى بين الدولة سياسيا وبين الأزهر كمؤسسة دينية، من المهم رصد هذه الملاحظات وعدم الانجرار وراءها، وذلك بالتأكيد على الأزهر كمؤسسة يجب أن تكون قوية ومستقلة وباقي عناصر الدولة.

وهنا عندما أتحدث عن الأزهر فإنني أتحدث عن أحد العناصر المهمة والأساسية الضامنة لوسطية ومدنية الدولة، نعم مدنية الدولة، فالفهم الصحيح لمفهوم مدنية الدولة المصرية لا يستبعد أهم مؤسسة دينية تشكل جزءا مهما من كيان الدولة عبر التاريخ، الأمر ذاته ينطبق على وضع الكنيسة المصرية ومكانتها، لكن هذا يكون دائماً بشرط مهم وحاسم هو أن يظل الأزهر وكذلك الكنيسة، كيانين مستقلين عن الميول السياسية ومحاولات السيطرة والتحكم، وفي الوقت ذاته يظلان في حدودهما الدينية التي لا تفرض وصاية على مدنية التفكير والدولة وحريتهما.

Ad

في الأزهر عديد من العلماء الذين يشكلون قيمة كبيرة، ويأتي على رأس هؤلاء العلماء فضيلة الإمام الكبير الدكتور أحمد الطيب، لم يلق خبر تولي شخصية عامة منصباً الترحيب كما لقي نبأ تعيين الدكتور أحمد الطيب شيخا للأزهر وقت إعلانه، ورغم بعض الأصوات الصادرة وقتها من بعض الاتجاهات السياسية التي انتقدت قرار توليه الإمامة الكبرى فإن هذه الأصوات اختفت وسط تيار الترحيب برجل يحمل من الصفات ما سمع الناس عنها ولمسها من اقترب منه، وظل الأمل في أن يعيد للأزهر مكانته التي هي بحكم التاريخ ذات أثر كبير في العالم .

الدكتور أحمد الطيب شخصية متعددة الجوانب، ويجمع بين صفات تبدو للوهلة الأولى متناقضة لكنها بشيء من الـتأمل تبدو متكاملة، فهو يحمل صرامة الرجل الصعيدي القادم من الأقصر، ويحمل استنارة وليونة الرجل المتحضر، ولديه زهد المتصوفين الذين ينتمي إليهم .

إذاً د. الطيب هو ابن الحضارة المصرية الضاربة في جذور التاريخ، وهو ابن الثقافة المصرية الوسطية، ووثيق الصلة بالصوفية التي بدأت من مصر، وجذوره الفكرية هي الأصول الفكرية الصحيحة للإسلام.

ظل الدكتور الطيب طوال فترة حكم الإخوان حائط الصد الرئيس ضد تقزيم الأزهر بإدخاله وإخضاعه لمخطط "الأخونة" لذلك لم تفت فرصة، ولا بأس من خلق الفرص أحيانا، لمحاولة اقتلاعه من مكانه كخطوة أساسية في طريق السيطرة، ونجحت مصر والأزهر في الإطاحة بالإخوان، ووقف الأزهر داعما لخيار الشعب في ثورته في الثلاثين من يونيو.

الحوار الذي أظن أن هذا وقته هو الحوار حول تأكيد مكانة الأزهر وشيخه في المؤسسة المصرية، أعيد مرة أخرى "المؤسسة المصرية" بمفهوم التكوين المصري كله لا السياسي أو الحزبي الضيق، وتأكيد هذه المكانة يبدأ بالدفاع عن المؤسسة والقلعة المهمة في حياة المسلمين ومكونات الدولة المصرية، وأولى الخطوات هي عدم السماح بتفجير الخلافات بين المؤسسة العريقة وبقية مكونات الدولة المصرية، وهنا أتحدث وأشير إلى بعض العناصر على الطرفين، الأزهر والدولة السياسية والنخبة الفكرية، لأن هذا البعض يؤجج للخلاف، وهذا خطير.