"لا تعتبر مسألة وصول مارين لوبان إلى قصر الإليزيه ضربا من المستحيل، بل يكاد يكون من المستحيل أن تفوز لوبان بالسباق الرئاسي وتدعو في ذات الوقت لإجراء استفتاء على مسألة مغادرة فرنسا للاتحاد الأوروبي".

"لا أحد يعتقد أن هذه الزيادة المصحوبة بالكثير من الزخم مبنية على أساس الأمل بنهاية قريبة لمرحلة انخفاض العائدات واقتطاع الفوائد من ديون الشركات".

Ad

اقتباس رئيسي: «أوروبا في طريقها للتفوق على الولايات المتحدة»

تقول إحدى الحقائق القديمة في عالم الاستثمار إن أفضل موضع لتحقيق الأرباح يتمثل في الأصول والسيولة التي خضعت لتقديرات خاطئة، وكلما ازداد الخطأ في تسعير الأصول ارتفع العائد المتوقع، وينطبق ذات الأمر على السيولة؛ إذ كلما ازدادت السيولة انخفضت الأرباح المتوقعة.

وقدم جورج سوروس شرحا مستفيضا لهذا الموضوع في نظريته العامة حول الانعكاسية، حيث قال: "عادة في الحالات البعيدة عن التوازن يؤدي الاختلاف الكامن بين التصورات والواقع إلى انطلاق عملية تغذية راجعة إيجابية في الاتجاه المعاكس".

ونحن في "ساكسو بنك" نعتقد أن هذا الأمر يمثل صورة دقيقة للوضع في أوروبا، إذ إن الهوة الكامنة بين التصورات والواقع متسعة جدا، ويؤدي هذا الأمر إلى نشوء صفقات وتوجهات جذابة: مراكز مفتوحة طويلة الأمد لليورو وأسهم دورية ونمو عام للمنطقة.

وتحمل الأسهم الأوروبية، باستثناء أسهم الدخل المحدود الألماني، خصومات كبيرة أو صغيرة على أساس حالة التوتر والقلق التي تحيط بالانتخابات الألمانية والفرنسية والنتيجة النهائية لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.

وفي حين أن بعض هذه المخاوف صحيحة تماماً؛ يتسم بعضها الآخر بالمبالغة. ومع ذلك، يستند معظمها إلى الخوف وحده، خاصة في الوقت الذي يحقق فيه الاقتصاد الأوروبي أداء متفوقا على نظيره الأميركي على مدار السنوات الأربع المقبلة.

ويتمثل الأمر، الذي يفشل الأوروبيون في كثير من الأحيان بإضافته إلى تقييمهم بالكم الهائل لرأس المال السياسي المستثمر في أوروبا ومنطقة اليورو. دون نسيان أن السياسيين الأوروبيين لا يزالون أكثر وقوفاً على مصلحة أوروبا من ناخبيها. وعلى حد تعبير رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود جونكر (في كلمة حالة الاتحاد التي ألقاها عام 2015): "يفتقر هذا الاتحاد إلى وجود القدر الكافي من القيم الأوروبية وقيم الاتحاد".

وبتحييد هذه المشاعر، تواجه أوروبا بكل تأكيد أزمة شبه وجودية. ولكن، ما هو السيناريو الأسوأ؟

لا تعتبر مسألة وصول مارين لوبان إلى سدة الرئاسة الفرنسية ضرباً من المستحيل، ولكن يكاد يكون من المستحيل أن تفوز لوبان بالسباق الرئاسي وتدعو في ذات الوقت لإجراء استفتاء على مسألة مغادرة فرنسا للاتحاد الأوروبي.

لماذا يعتبر هذا الأمر مستبعدا إلى حد كبير؟

يقول مايكل ستوثارد من صحيفة "فايننشال تايمز": "بموجب المادة رقم 89، ينبغي أن تكون أي تغييرات دستورية مقترحة من قبل الحكومة لا الرئيس. وبعدها تتم الموافقة عليها من قبل المجلسين الأعلى والأدنى ومن ثم إجراء تصويت عام أو استفتاء أو الحصول على أغلبية 60 في المئة من الكونجرس. ويعني هذا الأمر أنه في حال أرادت لوبان دعوة الفرنسيين لإجراء استفتاء، فستحتاج الرئيسة الفرنسية للحصول على الأغلبية في الانتخابات التشريعية المحددة خلال شهر يونيو".

وبالتالي، لا تمتلك فرنسا أي فرصة تذكر لمغادرة الاتحاد الأوروبي، ولكن بالرغم من ذلك تحافظ الأسواق على سلوك من الانتظار والترقب بشأن هذا الجانب المحدد من مسألة عدم الاستقرار. وهناك أيضاً حقيقة أن منافس لوبان الرئيسي إيمانويل ماكرون قائد حركة أون مارش بحد ذاته يتسم ببعض الغموض أيضاً على صعيد مواقفه وإمكانياته.

ولا يزال الخطر الأكبر متمثلا في تدفق جديد للمهاجرين؛ وكما علمتنا الانتخابات الهولندية، يرتبط دعم الأحزاب الشعبية ارتباطاً إيجابياً بمستويات الهجرة. وبطبيعة الحال، لا تعتبر هذه الحقيقة جذابة إلا أنها تبقى مدرجة تحت إطار الحقائق. وبالتالي، تحيط المخاطر بكل من الاضطراب السياسي وتأكيد التوقعات الأوروبية السلبية في حال قررت تركيا اردوغان إعادة فتح حدودها أمام المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي.

ويجب أن تحتسب فرص حدوث مثل هذه النتيجة بنسبة 50/50 في الوقت الراهن، وإذا حصل هذا الأمر قبل الانتخابات الفرنسية أو الألمانية فسيصبح بسرعة واحدا من أهم العوامل الرئيسية.

وبمجرد الانتهاء من الانتخابات في الربع الثالث، نتوقع أن نشهد تحركاً كبيراً في قيمة اليورو. وتدير أوروبا فائضاً كبيراً للحساب الجاري، ويتوجه البنك المركزي الأوروبي نحو اعتماد سياسة نقدية أقل تيسيراً (كما أنه يأخذ باعتباره إجراءات التيسير الكمي)، في حين تواصل دول أوروبا الوسطى والشرقية تقديم أداء متفوق مع معدلات نمو تتجاوز عتبة الـ 3 في المئة.

نعم، إن سياسة خفض القيمة محلياً في منطقة اليورو تؤدي ما هو مطلوب منها. وينبغي على الدول غير القادرة على تنفيذ سياسة خفض القيمة بأنفسها أن تقوم بتقليص النفقات والأجور بدلاً من ذلك. وستقدم أوروبا أداء أفضل من الولايات المتحدة خلال الربع الثاني، ولكن توقعاتنا العالمية الشاملة تواصل تأكيد أن الركود مرشح للوقوع خلال المستقبل القريب (12-18 شهرا) استنادا إلى الدافع الائتماني العالمي الذي بلغ ذروته في ذات الوقت مع التضخم العالمي.

ولا يزال خطر الركود هذا يمثل الهوة الأكبر التي تفصل بين التصورات والواقع. وفي حين أن السوق عموماً ينظر إلى فرصة لا تتجاوز الـ10 في المئة لحدوث الركود، نحن في "ساكسو بنك" جنباً إلى جنب مع أصدقائنا في "نيدبنك" بجنوب إفريقيا – نتوقع أن تتجاوز احتمالات الركود نسبة 60 في المئة.

لا، نحن لا "نتوقع حدوث ركود"، ولكن نموذجنا الاقتصادي يشير إلى تباطؤ كبير باعتبار أن الدافع الائتماني الكبير الذي شهدناه في الصين وأوروبا أوائل عام 2016 لم ينعكس إلى دافع سلبي، الأمر الذي من شأنه أن يجعل السوق يكتسي رداء من التحفظ وتجنب المخاطر (وبالتأكيد المراكز طويلة الأمد للدخل المحدود الأميركي).

وجنبا إلى جنب مع الربع الثاني، حل الربيع ليسمح لنا بأن نستمتع به وبالربيع الاقتصادي "الزائف" الذي نشهده الآن منتظرين بداية التباطؤ. وفي ظل حالة التباطؤ هذه، ستقدم أوروبا أداء أفضل من الولايات المتحدة كما سيتفوق اليورو في أدائه على الدولار الأميركي، وستخضع آسيا للضغوط من أجل إدخال الإصلاحات على مسارها الاقتصادي والابتعاد عن الديون باعتبار أن هذا الأمر يمثل المحرك الرئيسي للنمو.

ولا يترك لنا هذا الأمر خيارا سوى التحذير من احتمال أن يكون الربعان الثاني والثالث مختلفين عن أسلوب إدارة الرئيس ترامب والتقييمات غير الواقعية التي نشهدها في الوقت الراهن.

أكتب لكم كلماتي هذه من مطار زيوريخ وقبل الصعود على متن الرحلة المتجهة إلى هونغ كونغ، حيث التقيت خلال الأسابيع الأربعة الماضية، مع 30 عميلا يركز جميعهم بشكل كبير على الأسهم كما يعتقد جميعهم أن المزيد من الاتجاهات الصعودية قادمة لا محالة.

وبعبارة أخرى، لا أحد يعتقد أن هذه الزيادة المصحوبة بكثير من الزخم مبنية على أساس الأمل بنهاية قريبة لمرحلة انخفاض العائدات واقتطاع الفوائد من ديون الشركات.

وسوف أترككم أخيرا مع هذه المشورة الحكيمة للسيد جي بي مورغان الذي عندما سُئل عن كيفية جمعه لثروته أجاب بكل اقتضاب: "لقد قمت بجني أرباحي في وقت مبكر للغاية".