لماذا كلما انقضى يوم بائس يصعب علينا نزعه من ذاكرتنا بنفس اليسر الذي ننزع فيه ورقة ذلك اليوم من الروزنامة في اليوم الذي يليه؟!

لماذا تبقى مرارة بعض الأيام في مذاق صفائنا لا تزول مع زوال السبب، تبقى تلك المرارة عالقة في قاع كأس العمر، مشوهة ما يعقب اللحظة التي تجرعنا فيها تلك المرارة، وملقية بظلال طعمها على أيام تليها قد تطول أو تقصر؟!

Ad

لماذا معظمنا سريع العطب عند أي شعلة همّ وكأنما قلوبنا خُلقت من أعواد كبريت؟!

لماذا يزول أثر الفرح سريعاً لحظة زوال أسبابه بينما يبقى أثر ما يكدرنا رفيق سوء يفرض علينا صحبته؟! نحن الذين نطالب الحياة بأن تعطينا مصابيح الفرح وألا تنسانا في عتمة همومنا، ألا يكون غريباً ومفاجئاً تبرؤنا من الفرح سريعاً وتمسّك قلوبنا بأسنانها بثوب الحزن؟! أفي ذلك حكمة ما لم نبحث عنها من قبل، أم هو مجرد غباء عاطفة تتوارثها الأجيال؟! وهل لانحيازنا لكل ما يفتح حقائب الدمع فينا من أغان وأفلام وأعمال مسرحية وروايات وقصائد وكل أشكال الفنون والأدب الأخرى، هل له علاقة بتلك الحكمة المجهولة، أم بغباء العاطفة المتوارث؟!

يسهل القول إنه غباء عاطفة متوارث، إلا أن الأمر يبدو لي أكثر تعقيداً من ذلك، قد يكون للمختصين بالعلوم الإنسانية ومشتقاتها آراؤهم ونظرياتهم العلمية بهذا الخصوص، ولكني أنا الإنسان العادي أرى بعين عاديتي أن هناك فجوة في التعجب لم تُسدّ، لماذا تسيل قطرة الفرح على زجاج أرواحنا بينما تبقى لحظة الحزن عليه كلطخة الطين؟!

ولماذا نتمسك بلطخة الطين تلك على أرواحنا ونسوّرها حتى لا يبلّلها ماء الفرح، وعندما تعطش أرواحنا نفتح مكاتيب الشجن ونستلقي عارين على رمل الحنين، لتغيثنا سحائب الملح ولا نعير قلباً لينابيع البهجة؟!

يساورني الشك بأنه لصعوبة عثورنا على الحكمة وراء ذلك، نلجأ إلى تفسير ذلك بالغباء العاطفي، بما أن عاطفتنا معلقة بما يؤذيها حد إدمانه، هذا بخلاف ما يحتويه سلوكنا هذا من تناقض مثير للدهشة وازدواجية تثير الشفقة حين نقسو بلومنا على الحياة ونكيل لها الشتائم والتهم على شح ما تمنحنا إياه من الفرح بينما نحن أحباب الحزن، ربما ذلك يفسّر كثيراً من تصرفاتنا اللامعقولة في حياتنا كتعلقنا بأشخاص شوهتنا سيئاتهم مثلا، إلا أن ذلك لا ينفض الغبار عن ذرة منطق في ذلك السلوك، حتى وإن كان التبرير أن ذلك السلوك نابع عن عاطفة وأن العواطف لا تعرف المنطق، تلك في نظري كذبة اخترعناها، فالعاطفة تعرف الصواب ولكنها لا تتبعه، والحقيقة أنها لا تريد ذلك، ويبقى البحث عن الحكمة وراء ذلك جارياً وعلى يقين بأني لن أجده، من حينها أعدت رسم خريطة البحث، فبدل البحث عن التفسير أصبح البحث عن التغيير، ومحاولة الوصول إلى «كيف يصبح القلب موطنا صالحاً لكل يوم حلو»؟، ومنح اليوم المر إقامة مؤقتة فيه، أو حتى مجرد تأشيرة مرور، وجدت أن الحل أبسط من جهد البحث، وذلك بتغيير اسم كل يوم بائس يمضي من «يوم مُرّ» إلى «يوم مَرّ»!