حسناً فعلت محكمة التمييز برئاسة المستشار فؤاد الزويد، أمس، بتقريرها انتهاء الخصومة في الطعن المقام من الحكومة على حكم إلغاء قرار سحب جنسية أحمد الجبر، وبقبولها التنازل المقام من أحمد الجبر على الأحكام التي تحصل عليها، وبعدم بحث مناحي الطعن المقام من الحكومة والذي يقام في أحد اسبابه على طلب تمييز الحكم المطعون عليه والتقرير مجددا بعدم اختصاص القضاء بنظر الدعوى، وبإحالة النزاع الى دائرة توحيد المبادئ لبحث الأمر.

ومثل هذا الدفاع، بعد تقديرنا لجهود أساتذتنا في ادارة الفتوى الذين نتعلم منهم ونجلّهم، لا يستقيم مع المنطق الواقعي، ولا حتى القانوني، بل التفكير به يعد مبنياً على هدم العديد من المبادئ القضائية التي استقر عليها القضاء قبل الفقه، وهي احترام احكام القضاء التي حازت قوة الأمر المقضي، حتى ولو كانت تلك الأحكام مخالفة للنظام العام، بل انها تسمو على اعتبارات النظام العام.

Ad

والحكم الذي أصدرته محكمة التمييز برئاسة المستشار محمد الرفاعي في مارس ٢٠١٦ قضى باختصاص المحكمة الإدارية في هذه الدعوى، ومن ثم طالب المحاكم مجدداً احتراماً لدرجات التقاضي أن تفصل بالموضوع، ثم تمسكت الحكومة بدفاعها لاحقا بعدم الاختصاص حتى امام محكمة التمييز التي سبق لها أن فصلت في هذه المسألة الأولية التي لا يجوز لأي قضاء آخر بحثها مجددا، لسابق الفصل فيها بالحكم الصادر في مارس من العام الماضي.

والحكم الذي اصدرته محكمة التمييز العام الماضي بتقرير سلطان رقابة القضاء على القرارات الصادرة بمسائل الجنسية لم يكن الأول الذي أصدره القضاء باختصاصه، بل هو في عداد الأحكام التي أعلنها القضاء لبسط الرقابة على قرارات الجنسية، ومن بينها الحكم التاريخي الذي أصدرته محكمة التمييز برئاسة المستشار محمد خيري في الطعن رقم ٢١٩ لسنة ٢٠٠٦ (إداري) الصادر في ٢٠٠٧/١١/٢٧ وقضى برده على الدفع بعدم اختصاص القضاء بالنظر في مسائل الجنسية: «إن المشرع أرسى قاعدة عامة مؤداها ان كل من ولد في الكويت او في الخارج لاب كويتي يكون كويتيا، وكشف المشرع بذلك عن مراده في استحقاق الجنسية الكويتية لكل من ولد لاب كويتي لتصبح الجنسية لصيقة بواقعة الميلاد، دون حاجة الى صدور قرار بذلك من الجهة الادارية او أي إجراء آخر، متى ثبت على وجه قاطع نسبة المولود الى اب كويتي، وثبوت نسبه منه هو ما يعرف بالجنسية الأصلية، ويترتب على ذلك ان يكون له الحق في الحصول على جواز سفر، دون ان يعد ذلك تدخلا في سلطة الادارة في التقدير في مسائل الجنسية، وإنما هي آثار وليدة حكم القانون ومستمدة منه مباشرة، وذلك بخلاف الاحوال الاخرى لاكتساب الجنسية التي لا تتم الا بقرار يصدر من الجهة الادارية المختصة وفقا للضوابط والاجراءات المبينة في قانون الجنسية، وهذه القرارات هي التي تتعلق بالجنسية منحا او منعا، وتتسم بطابع سياسي يرتبط بكيان الدولة وحقها في اختيار من ينضم الى جنسيتها وتحديد ركن الشعب فيها، على ضوء ما تراه وتقدره وتعد صورة من صور أعمال السيادة لصدورها من الحكومة بصفتها سلطة حكم لا سلطة ادارة، ولذلك أخرجها المشرع بنص صريح من اختصاص الدائرة الادارية بالمحكمة الكلية بما نص عليه في البند خامسا من المادة الاولى من قانون انشائها رقم ٢٠ لسنة ٨١ المعدل».

وانسجاما مع الحكم الصادر في ٢٠٠٧ و٢٠١٦ فإن المقصود بأعمال السيادة التي تتصل بمسائل الجنسية هي تلك التي تتطلب منحا او منعا للجنسية، ولا تمتد الى تحصين القضاء من الرقابة على قرارات السحب او الاسقاط بذريعة انها تعد من قبيل اعمال السيادة التي تعد استثناءً، إن سلمنا بمفهومها، ولا يجوز التوسع فيه او القياس عليه، فضلا عن خلو الدستور من تقريره، وهي بذلك كنظرية تكون من صنع المشرع العادي الذي كفل له الدستور وفق احكام المادة ١٦٩ على تنظيم حق التقاضي بالطعن على القرارات الإدارية، وهو تنظيم لا يعطي للمشرع العادي الحق في اهدار حق التقاضي المقرر بأحكام المادة ١٦٦ من الدستور.