امتلأ الأسبوع الماضي بعواصف من الاختلاف حول مقترحات تعديلات قانون الجنسية، وتركز بين من ينادي من جهة بحصانة ذلك القانون الذي ارتسمت، عبر ثباته منذ عام ١٩٥٩ حتى اليومَ، ملامح الهوية الوطنية للكويت الممتدة إلى جذور تكوينها الأولى.

استمعت لذلك الطرح الأسبوع الماضي في منزل الأخ الفاضل عادل الزواوي، بناء على دعوة كريمة منه لي مع حشد من رجال الكويت الأفاضل.

Ad

ارتأى فريق آخر من أبناء الكويت ضرورة تعديل ذلك القانون بما يسمح ببسط سلطة القضاء على أعمال منح وسحب أو إسقاط الجنسية عن المواطنين لأية أسباب، وتعدى الأمر في بعض التعديلات إلى شكل من أشكال شرعنة ازدواجية الجنسية عبر آليات مستحدثة، وكذلك شرعنة التزوير في أسانيد التجنيس، وذلك بانقضاء مدد معينة للتقادم، وجميعها أفكار لا يمكن برأي الكثيرين القبول بها في إطار مكونات الهوية الوطنية، وهو ما عبرت عنه في مقالتي السابقة.

تحرّك الفريق الأول استناداً إلى موقفه وآرائه، وفقاً لآليات الحراك السلمي الديمقراطي، سواء بإبداء الرأي في الديوانيات أو بالكتابة الصحافية والإلكترونية، أو عبر نقل رأيه للسلطات، وذلك من منطلق حماية الهوية المجتمعية، وأن الولاء الوطني لا يتجزأ أو يقبل القسمة على اثنين، وكذلك انطلاقاً من أن لا حماية لمزور بانقضاء أزمان للتقادم.

استمعت القيادة السياسية لتلك الآراء بعد أن استمعت قبلها لفريق من نواب الأمة حول بعض التعديلات، والمفترض أن الأمور بهذا الشأن ستمضي في مسارها الإجرائي الديمقراطي المعتاد، وستقرر بشأنها السلطتان التشريعية والتنفيذية وفقاً للآليات الدستورية، إما رفضاً للتعديلات أو إقراراً لها.

إن ما كان موجعاً في مشهد الاختلاف المشروع ديمقراطياً هو الضرب تحت الحزام واللجوء إلى أساليب غليظة ومتدنية وخشنة بين الفرقاء، كادت أن تنحرف بعلاج قضية الجنسية من إطار الأهمية الكبرى إلى منزلقات الطامة الكبرى المتمثّلة، لا قدر الله، بالانشقاق المجتمعي، وهو الخطر الأشد على وطننا وكياننا، فليس مقبولاً اللجوء إلى أساليب التحقير والتعريض بكرامات الناس التي تهدم ولا تبني، وتفرّق ولا توّحد، مثل وصف البعض للمجموعة التي تحركت بـ"الواوية"، وهم رجال كرام ومحشومون عن ألفاظ نابية كهذه! كما أنه ليس مقبولاً تعبيرات مثل "اللفو" و"الطراثيث" ضد الفريق الآخر، وهم كويتيون كغيرهم ولهم كل الاحترام، ولا يجوز اللجوء للفرز الاجتماعي وإسباغ النزاهة الوطنية على المجموعة الأولى بأنهم "أهل الكويت"، وكأن المجموعة الأخرى خارج الملّة الوطنية.

جرى حوار بيني وبين صديقين من الطرفين انتهينا به إلى أن خلاف الرأي حالة ديمقراطية معهودة ومحمودة، ولا يفسد للود قضية، كما أن إقصاء وازدراء الآخر هو خروج على النهج الحضاري والديمقراطي الذي تكمن فيه الخشية من تفرُّق أبناء الوطن الواحد واشتعال الفتنة، لا سمح الله، وانتهينا إلى أن الكويت هي وطن للجميع يقع على مسافة متساوية من كل فرد فيه، دون تفرقة أو تمييز وبقدر متساوٍ، لأنه وطننا الوحيد ويفترض أن لا وطن لنا سواه، ومن الخطأ أن يحاول أحد منا إقصاء الآخر عن حب وطنه بالطريقة التي يراها، بل بالنهج السلمي لا العنيف، ويبقى الحفاظ على تماسك الهوية الوطنية شأناً ينبغي أن يكون هاجسنا جميعاً، نعتنقه ونذود عنه ونعمل من أجل تحقيقه.

تلك هي قناعاتي كعضو في مجموعة الإصلاح والتوافق الوطني، وكعضو مؤسس كذلك في التحالف الوطني وفي الجمعية الكويتية للإخاء الوطني.