يأمل كريستوفر دوما، طبيب جاك سايدج، أن يدخل الأخير التاريخ بصفته رمز التحوّل في علاج داء الزهايمر. لكنّ آخرين يشككون في ما فعله دوما بدماغ مريضه. ويقرّ الجميع بأن هذا الداء مشكلة تزداد انتشاراً.

جلس سايدج، رجل مسن وسيم في الثانية والثمانين من عمره، إلى جانب زوجته غلوريا وراح يتحدث عن أولاده (من اللافت أنه يتذكر أسماءهم: جايمس 46 سنة، وكايت 50 سنة، وكيلي 56 سنة)، متذكراً عندما انتقل مع غلوريا إلى منزل شاطئ نيوبورت المطل على المحيط الهادئ. كذلك بدآ يضحكان حين تذكرا موعدهما الأول، ثم أخذا يتحدثان عن السنوات التي عمل خلالها سايدج مفاوضاً عمالياً في شركات ديل مونتي، وAllied Chemical، وخطوط طيران كونتينانتل. حتى إنهما عادا إلى الزمن الذي شارك فيه في عملية التطريق في مناجم النيكل في شمال أونتاريو في كندا.

Ad

في هذه المرحلة من مرضه، يؤكد طبيبه أن من المفترض أن يعاني صعوبة في تذكّر متاهة الأنفاق الخطيرة في منجم النيكل في منطقة سادبوري. يقول سايدج: «تحفر في الغرانيت، ثم تضع المتفجرات في الصخر وتفتته. وتعمل بعد ذلك على تعبئة ما تبقى من حطام بواسطة رفش».

خلايا جذعية

يمكننا تشبيه ما يحصل في دماغ جاك سايدج بالتعدين. تشكّل سلسلة ذكرياته هذه، بما فيها مغامراته على ملعب الغولف في منطقة إنديان ويلز، حيث يملك منزلاً ثانياً ويمارس هذه اللعبة مرات عدة أسبوعياً، ومضات من الماضي تمثّل ثلاثة مكونات أساسية في الذاكرة الطويلة الأمد: الدلالي (تذكّر معنى الكلمات)، والمرحلي (تذكّر المراحل المفصلية في مسيرة الحياة)، والإجرائي (تذكّر كيفية إنجاز المهام). ورسمت هذه المكونات ابتسامة على وجه دوما، جراح الدماغ الذي عمد لقاء 10 آلاف دولار للعلاج ومن دون أية تغطية من شركة التأمين إلى إحداث ثقب في الجهة الخلفية من رأس سايدج وحقنه بمصل يحمل خلايا جذعية شفطت من خاصرتي سايدج نفسه.

ولكن هل يشكّل هذا الأمر الإنجاز الذي كان العالم ينتظره في علاج الزهايمر؟ أم مجرد إجراء طبي غير مثبت يشكّل، حسبما يصفه عالم الكيمياء الحيوية في جامعة مينيسوتا ليه تورنر، «خداعاً وأوهاماً»؟ هل هذه خدعة غير آمنة (تُجرى خارج إطار عملية الحصول على موافقة إدارة الأغذية والأدوية الأميركية) غايتها جني المال وتستهدف الأكثر ضعفاً بيننا؟

كتب تورنر بإسهاب وجدية بالغة عن شبكة الخلايا الجراحية، التي ينتمي إليها دوما، علماً بأن مستشفاه الرئيس هو هواغ في منطقة شاطئ نيوبورت. تروّج هذه الشبكة لـ«ثورة الخلايا الجذعية»، التي تعتبرها، وفق منشوراتها، علاجاً مناسباً لمن يعانون مجموعة من الحالات الالتهابية والتنكسية، كالسرطان، والداء السكري، وتضرر الركبتين والوركين، فضلاً عن استعمالات عدة في مجال الجراحة التجميلية.

يذكر تورنر: «لا تبدأ فجأة بإقحام الأشياء في أدمغة الناس. تكمن المشكلة في أن المرضى ينفقون مبالغ كبيرة من المال من دون أن يجنوا أية فوائد. يعرّض دوما الناس لأذى بالغ. لا مكان للخلايا الدهنية في دماغ الإنسان».

سايدج هو أول مريض في أول مرحلة من دراسة سريرية تُدعى رسمياً «حقن دماغي بطيني بيني لخلايا جذعية ذاتية المنشأ، مستمدة من دهون البطن، وغير معدلة جينياً». وهكذا صار سايدج أول مريض ألزهايمر في العالم تُحقن خلاياه المستخرجة خلال عملية شفط الدهون مباشرةً في دماغه. وتلقى ثماني حقن (يفصل بينها شهران) منذ نوفمبر عام 2014.

يسارع دوما إلى تقديم وصف. ما زال من المبكر جداً معرفة ما إذا كان ما فعله لسايدج سيبدّل العالم. لكنه يؤكد أن الأخير و19 مريضاً بعده لم يتعرضوا لأذى بسبب هذا الإجراء، وأن السلامة تشكّل المعيار الوحيد في المرحلة الأولى. أما فاعلية العلاج، فتُعتبر محور المرحلة الثانية، التي يأمل دوما أن تجذب بعض التمويل الخاص. بالإضافة إلى ذلك، وجّه رسالة إلى جمعية الزهايمر الوطنية طالباً 700 ألف دولار كي يتمكن من مواصلة عمله. فدُعي إلى التقدم بطلب رسمي في وقت لاحق من السنة. وإذا حصل على هذه المنحة، لن يتقاضى أي مال من مرضاه.

صحيح أن هذه العملية لا تزال في بدايتها، إلا أن دوما يعرب عن حماسة كبيرة تجاه نتائج سايدج.

تطورات

ارتفعت علامات سايدج من 45 من مئة نقطة في مؤشر أداء الذاكرة في شهر مارس 2015 إلى 54 في سبتمبر 2015. كذلك نما حجم الحصين (مركز الذاكرة في الدماغ) من %5 قبل علاجه الأول إلى %28 بعد العلاج الرابع و%48 بعد العلاج الثامن.

يخبر سايدج، الذي يلعب الغولف بضع مرات أسبوعياً، إذا سمحت صحة قلبه بذلك: «يتحسن أدائي في هذه اللعبة». لا يشكّل الدماغ علة سايدج الوحيدة، بل يواجه أيضاً تاريخاً طويلاً من أمراض القلب، التي استدعت تركيب 12 دعامة بغية إبقاء شرايينه مفتوحة.

يضيف دوما بثقة إنسان يسبر أغوار الدماغ خلال عمله: «لا يمكننا التوصل إلى خلاصات عامة مستندين إلى حالة مريض واحد. إلا أن هذه نقطة تحوّل كبيرة».

دوما حالة شاذة في عالم الطب: جراح دماغ يستبدل بالمبضع غالباً سكين غاما: أداة متطورة تعمل بالليزر لإزالة الأورام من الدماغ. يشتهر خارج الأوساط الطبية بعزفه على الأورغ الكهربائي في فرق متخصصة بأشهر أغاني فرق سبعينيات القرن الماضي، مثل Genesis، وYes and Emerson، وLake and Palmer. عندما كان صغيراً، تعلم إلى جانب جون ف. كينيدي في مدرسة براونينغ في مدينة نيويورك. يتذكر: «اعتدنا مناداتها بجون جون».

أدرك دوما أن علاج حقن الدماغ بخلايا جذعية الذي طوره سيواجه المعارضة. ولكن كما هي الحال مع الإنجازات كافة، يجب أن يشق أحد هذا الدرب. يقول: «كان من الممكن أن أُلحق الأذى بالناس. قمت بقفزة كبيرة».

أمل ضئيل

لا يتحسّن مرضى الزهايمر. يُشخّص الأطباء مرضهم، ويخسرون كرامتهم، ويموتون. يبقى المتغير الوحيد السرعة التي يوافيهم بها الموت.

في عالم علاج الزهايمر المثبِّط، يُعتبر سايدج ودوما رمز الأمل والشك في آن. اتصل مركز تسجيل مقاطعة أورانج بجامعات ومراكز بحوث حول البلد، من بينها ستانفورد، وهارفارد، وديوك، وفلوريدا الدولية، وجامعة كاليفورنيا في ديفيس، إلا أن بعض طلبات المقابلات رُفض، في حين لم تلقَ اتصالات أخرى أي رد. تبين أن قلة من الخبراء الطبيين ترضى التحدث عن علاج الزهايمر بالخلايا الجذعية لأنهم لا يعرفون كثيراً عنه على ما يبدو.

يذكر جوشوا غريل، مدير مركز الاضطرابات العصبية المعيقة للذاكرة في جامعة كاليفورنيا بأورفاين: «يتحسّن مرضى الزهايمر بسبب العلاج؟ آمل أن يكون هذا الأمر صحيحاً. أتمنى أن يعود العلاج بالفائدة على المرضى لأننا بأمس الحاجة إلى علاجات مماثلة». لكنه استدرك مضيفاً: «لا تشكّل دراسة واحدة ثورة. لم أقرأ شيئاً عن هذا (عمل دوما)، ولا أعلم ما التفسير العلمي خلفه».

في المقابل، اطلع دين هارتلي، مدير المبادرات العلمية في جمعية الزهايمر، على عمل دوما. يقول: «هذا مجال جديد». ولكن مع مريض واحد، «كلا، لا نستطيع أن نقول إن هذا تطور جذري». يتابع أن دراسات كثيرة أخفقت في المرحلة الثانية، التي يزداد فيها عدد مَن يتلقون العلاج.

رغم ذلك، يؤكّد أن عمل دوما مشجّع، ويذكر: «نود رؤية تقدما مماثل». لا يعني ذلك أن دوما يُجري بحوثه في السر. فقد تحدث عن دراسته في منتديين عامين السنة الماضية: مؤتمر الجراحين العصبيين في سان دييغو، والجمعية الدولية للعلاج الخلوي في ممفيس. كذلك يقول إنه أوشك على أن ينهي كتابة تقرير عن عمله، ويأمل أن ينشره في مجلة علمية متخصصة.

فكرة الخلايا الجذعية

في عام 1993، كان كريستوفر دوما يعمل في مستشفى السامري الصالح في لوس أنجلس، عندما بدأ هو وزملاؤه بحقن أدمغة مرضى داء باركنسون بخلايا جذعية. ويؤكد أنهم كانوا يحرزون تقدماً، حين تدخلت السياسات. حصلوا على خلايا جذعية كانوا يستخدمونها من الأجنة المتبقية بعد عمليات الإجهاض. وساهمت ضغوط المجموعات المناهضة للإجهاض في إقفال البرنامج.

بعد 15 سنة، كان دوما يساعد الجراح التجميلي مايكل إيلام في عملية شد وجه أحد مرضى باركنسون، عندما قال إيلام: «يجب أن نتكلم عن الخلايا الجذعية».

عرّف إيلام دوما إلى الدكتورَين مارك بيرمان وإليوت لاندر، مؤسسَي شبكة الخلايا الجراحية. كانا يعملان على فصل الخلايا الجذعية عن الدهون باستخدام جهاز طرد مركزي (يملكان براءة اختراعه) ليحقناها بعد ذلك في الركبتين والوركين ومواضع أخرى تتعرض لإصابات. ويؤكد بيرمان أن عملهما نال موافقة مجلس المراجعة المؤسساتي بعد معالجتهما 1524 مريضاً من دون تأثيرات جانبية. يضيف: «إذا أردتَ إصلاح إصابة، تُعتبر الخلايا الجذعية أفضل نسيج لذلك».

في عام 2013، اقترح دوما هدفاً جديداً للعلاج بالخلايا الجذعية: الدماغ. حاول، بالتعاون مع بيرمان، ولاندر، وإيلام، إطلاق دراسة حقن الدماغ بالخلايا الجذعية. لكن محاولتهم الأولى للحصول على موافقة مجلس المراجعة المؤسساتي أخفقت لأنهم لم يجروا أي اختبار على الحيوانات. لذلك طلبوا من الدكتور أوليغ كوبيوف في جامعة ولاية كاليفورنيا بنورثبريدج إجراء تجارب على الجرذان.

وبمساعدة عمل كوبيوف، حصل دوما على موافقة المجلس. لكن هذا الفريق قرر عدم اتخاذ الخطوة التالية المعتادة: موافقة إدارة الأغذية والأدوية.

يخبر لاندر أن مجلس المراجعة المؤسساتي «كان يتوقع أن نتقدم بطلب إلى إدارة الأغذية والأدوية. لكننا نواجه مئات العقبات». تستغرق عملية الحصول على موافقة إدارة الأغذية والأدوية عادةً ثماني إلى 12 سنة، وفق مجلة Medscape.com على شبكة الإنترنت.

يوضح دوما أن الخلايا الجذعية تمثل «معضلة» بالنسبة إلى إدارة الأغذية والأدوية لأن «هذه الخلايا لا تشكّل دواء ولا غذاء». لذلك تعتبر العيادات التي تستخرج الخلايا الجذعية من الجسم وتعيدها إليه من دون إضافات أنها معفية من قيود إدارة الأغذية والأدوية.

يتابع مخبراً: «نستخرج الدهون من البطن ونضعها في الدماغ خلال جراحات الدماغ منذ عشرينيات القرن الماضي. نقدِم على هذه الخطوة في غالبية حالات أورام الغدة النخامية، والعصب السمعي، وأسفل الجمجمة، فضلاً عن تسرب سائل النخاع الشوكي. وإذا قررت إدارة الأغذية والأدوية منع استعمال الدهون ذاتية المنشأ في الدماغ، تتبدّل المعايير المعتمدة في الجراحة العصبية طوال قرن تقريباً».

يأمل دوما أن تعترف إدارة الأغذية والأدوية ذات يوم بعمله. لكنه يشدد على أن هذا العمل لا يحمل الانتظار.

*كيث شارون