لم تبالغ رسالة المجتمعين في اجتماع الكويت لمنتجي النفط من داخل منظمة أوبك وخارجها، هذا الأسبوع، في طمأنة أسواق الطاقة العالمية، خصوصاً مع فشل النفط الخام في المحافظة على مستويات الـ 50 دولارا للبرميل، قبل أن يعود لاحقا أمس إلى مستوى 51 دولارا لبرميل برنت، نتيجة تدهور الاوضاع الامنية في ليبيا.

ورغم التزام المجتمعين بأعلى تطبيق ممكن لاتفاق خفض الإنتاج وتحقيق التوازن في سوق النفط، وإبداء آراء ومواقف إيجابية تجاه تمديد اتفاق خفض إنتاج النفط العالمي 6 أشهر إضافية، بدءا من يونيو المقبل، فإن أسعار النفط العالمية ظلت تحت ضغوط أكبر من اتفاقات المنتجين، أو اعلان النوايا المبدئية.

Ad

تضاعف الحفارات

وعندما أشاحت أسواق النفط بوجهها عن تعهدات المنتجين، بما فيها التزام دول «أوبك» بخفض الإنتاج بنسبة 106 في المئة و65 في المئة من خارجها؛ كانت تتعامل مع النمو اللافت في إنتاج النفط الذي رفع عدد حفارات الشركات الأميركية بـ 652 حفارة، أي بنمو 106 في المئة، مقارنة بأدنى مستوى في ست سنوات الذي بلغ 316 منصة في مايو الماضي، مع تنامي المخزونات الأميركية وارتفاع الإنتاج إلى أكثر من 9.1 ملايين برميل يومياً.

عودة «الصخري»

والحديث عن منصات الحفر يجر إلى النقاش حول الإنتاج المتنامي للنفط الصخري، لأن شركاته خارج أي اتفاق لدول منظمة أوبك او خارجها، وكلما ارتفعت الأسعار، خصوصاً عند مستوى الـ 50 دولاراً، زادت فرص الإنتاج لشركات النفط غير التقليدي التي تعاني أصلا تراجع العوائد والإيرادات، إلا أنها في المقابل تتمتع بمرونة غير متوافرة للدول، من جهة قدرتها على التحول السريع في اتجاه إعادة ورفع الإنتاج وتحقيق الارباح لمساهميها وسهولة التعامل مع خطط تقليص الإنفاق وإلغاء المشاريع، على عكس الدول النفطية، خصوصاً الخليجية منها التي يرتبط الانفاق العام فيها بأسعار النفط بنسب توازي 90 في المئة من الميزانية، ناهيك عن صعوبة إقرار مشاريع تقشف.

ويتوقع سوق النفط أن يضيف «الصخري» في أبريل المقبل نحو 109 آلاف برميل يوميا، ليصل إجمالي الإنتاج الى نحو 4.962 ملايين برميل يومياً، مدعوما بعمليات إنتاج قوية من حقل «برميان» الذي يقع ما بين ولاية تكساس وولاية «نيو مكسيكو»، ويشكل وحده ما بين 40 و50 في المئة من انتاج العالم من النفط الصخري، في وقت تشير منظمة الطاقة الدولية الى ان شركات النفط الصخري تمكنت خلال العامين الماضيين من تطوير تقنيات جديدة لخفض كلفة الإنتاج إلى مستويات 40 دولاراً للبرميل، في العديد من حقول انتاج النفط الصخري.

هشاشة التمديد

وعليه، وفي ظل ثبات عوامل الاقتصاد العالمي، خصوصا ما يتعلق بالنمو الى جانب ضعف الطلب على النفط؛ فإن مستويات النفط الحالية ستكون هي السائدة، لأن إنتاج «الصخري» المتنامي سيعزز الفائض في السوق، في ظل عدم اليقين في استمرار «أوبك» في تمديد اتفاق خفض الإنتاج مدة أطول، خصوصاً مع وجود خلاف خليجي واضح، مع استبعاد السعودية لجدواه وعدم يقين الإمارات بإمكانيته، مع تأكيد الكويت على أهمية تمديد الاتفاق بين دول «أوبك» وخارجها.

لذلك فإن تركيز منتجي النفط، خصوصاً دول الخليج، على مسألة الأسعار لتمويل النفقات والميزانيات يحتوي قدرا عاليا من التجاهل لحقيقة اسواق النفط، والأولوية يجب أن تكون في التوجه نحو اصلاحات اقتصادية تقي ميزانيات دول المنطقة، ولو نسبياً، تقلبات الأسواق، خصوصاً مع التوجه القوي لسوق الديون وما يترتب عليها من التزامات مستقبلية متصاعدة، إذ إن التركيز على ارتفاع الأسعار يصطدم بهشاشة احتمالات التمديد لـ 6 أشهر اضافية، فضلاً عن تنامي إنتاج «الصخري» المتزامن مع تراجع تكاليف الإنتاج.

ويشير تقرير سابق لصندوق النقد الدولي إلى أن خفض إنتاج النفط يصطدم بتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، لا سيما في اميركا ومنطقة اليورو والصين، إضافة إلى أن أثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيقلل من ثقة المستثمرين ويرفع من حالة عدم اليقين في اوروبا، فضلاً عن خفض الصين اعتمادها على الاستثمار والصناعة مقابل زيادة الاستهلاك والخدمات، وهي سياسة من المتوقع أن تخفض النمو في الأجل القصير على الأقل، كما تشير التنبؤات إلى أن نمو اقتصاد الصين، ثاني أكبر اقتصادات العالم، سيصل إلى 6.6 في المئة هذا العام و6.2 في المئة في 2017، منخفضا من معدل نمو بلغ 6.9 في المئة العام الماضي.

العوامل الحالية

على منتجي النفط التعامل مع العوامل الحالية في الاقتصاد العالمي وأسواق الطاقة، والتي تشير بوضوح إلى أن الطلب العالمي على النفط في مستويات منخفضة عن الأعوام السابقة، وبالتالي فإن خفض الانتاج على الرغم من أهميته ووجوبيته الى مدى أطول من الحالي ليس الحل الوحيد للتعامل مع تحديات اسواق الطاقة على ميزانيات الخليج، مما يتطلب وضع سياسات اقتصادية ومصدات تتعامل مع الأوضاع الجديدة وفورة الإنتاج في السوق، خصوصا الأميركي، التي يبدو أنها تتحرك بأريحية كبيرة عند مستويات 40 الى 50 دولارا للبرميل، وهي نفس المستويات التي لا يريد منتجو النفط الخليجيون أن تتراجع الاسعار دونها.