ما يحدث مؤخراً في الكويت بين أطياف المجتمع من نقاشات متشنجة واتهامات متبادلة بشأن ملف الجنسية، هو نتيجة طبيعية لفشلنا خلال السنوات الماضية في محاربة آفات تفتيت وحدة المجتمع، وإرساء عناصر دولة القانون، وكذلك محاسبة من تسبب في الفساد على جميع الصعد سواء من تجاوز على المال العام أو امتدت يده إلى ملفات الجنسية بالتلاعب والتزوير لمنح من لا يستحق شرف المواطنة لتحقيق منفعة مالية أو سياسية.

عندما تتفشى في دولة ما النزعات الطبقية والقبلية والعائلية والمذهبية دون مكافحة جدية لها من الدولة تصبح الهوية والمواطنة أداة لكسب المنافع والمناصب وليست للعطاء الوطني والتكاتف والتراحم الاجتماعي، وعندما يهرب الفاسد بغنيمته دون أن يعاقب فلن تستطيع أبداً أن تعزز الانتماء الوطني، وكذلك عندما توزع المناصب والامتيازات على كوتات معينة لن تنفع "الأوبريتات" الوطنية والأغاني الحماسية في إقناع شاب فقد فرصته بسبب تلك الأفعال التمييزية بأن الوطن للجميع والمواطنة هي سماء تغطي الكل بالتساوي والعدل!

Ad

مَن سهل جعل الجنسية الكويتية غنيمة لانتماء ما أو أداة لكسب منافع مالية وتجارية مقابل مواقف داعمة للسلطة، هو مسؤول اليوم عن تناحر أطياف المجتمع الكويتي وتصنيفاته المتصادمة مع بعضها البعض بشأن قضية الجنسية، لأنه كان يجب أن تكون وثيقة الجنسية الكويتية شرفاً لمن يقدم إضافة للبلد ثقافية واقتصادية وعلمية وليس لصناعة قوى تأثير اجتماعية وعقد الصفقات السياسية.

النقاشات حول الجنسية وقوانينها متفاعلة لدى الكثير من المجتمعات، ولكنها لا تأخذ هذا الطابع الحاد والمتشنج وتبادل الاتهامات كما يحدث في الكويت، لأن المواطنة هناك تعتبر مادة ذات طابع أمني واقتصادي، إذ إن المهاجر يجب ألا يشكل خطراً أمنياً، ويكون أيضاً له إضافة تنموية اقتصادية للبلد، بعكس ما هو حادث في الكويت منذ صدور الدستور عام 1962 بجعل الجنسية أداة سياسية لخلق توازنات معينة في البلد، وهو ما أثبته شعار "ابلعوا العافية".

المشكلة أن مشرعين يريدون أن يقننوا التزوير الذي قام به عدد من حاملي الجنسية الكويتية والعفو عنهم، ويقابلهم متشددون يرفضون بحث سحب الجنسية من ناشطين سياسيين بسبب مواقفهم ربما دون وجه حق، وبين الطرفين تجر وتمزق وشائج الهوية الكويتية، بينما تقف السلطة، التي استخدمت المواطنة كأداة سياسية منذ 50 عاماً، متفرجة على تداعيات ملف بالغ الخطورة والأثر السلبي على المجتمع دون القدرة على فعل شيء سوى تشكيل لجان تسحب صلاحيات الجهات ذات الاختصاص الأصيل في السلطتين التنفيذية والقضائية ويزيد القضية تعقيداً وسوءاً.