الخيانة ليست امرأة، كما أنها ليست رجلاً، الخيانة هي جوهرنا الإنساني وأحد دلائل نقصنا الآدمي الذي سيلازمنا ما بقي بشر في هذه الحياة، إنها جزء أصيل من إنسانيتنا وطيننا البشري، فقد تدرب وتمرن عليها منذ الصغر كل من أطلق عليه صفة بشر، ابتداء من خيانة الإنسان لذاته وانتهاء بخيانة الآخرين له أو خيانته لهم، يولد الإنسان ضعيفاً وهذه أول خيانة منبعها الذات، فضعف الإنسان ناتج عن خيانة قوته له، ومرضه نتيجة لخيانة عضو من أعضاء جسده، نسيانه ابن خيانة ذاكرته، خطأه وليد خيانة عقله، خطيئته ابنة خيانة قلبه، إن كل فرد وُجد في هذه الحياة تعرض لكل أنواع الخيانة الذاتية هذه أو لبعضها، خيانة صوفها مُحاك من نسيج داخلنا الذي يؤكد نقصنا الإنساني، لقد تدرب كل إنسان منا على الخيانة منذ أن رأى الدنيا، وتعامل كثيراً مع الخيانات التي تأتي من قُرب، إذ ليس هناك أقرب من المرء لذاته، كثيراً ما جربنا خيانة شيء منا لنا، فلكم خاننا صبرنا، وكم خانتنا أمانينا، وأحلامنا، ورغباتنا، والقائمة تطول بأشكال الخيانات التي تدربنا عليها منذ الصغر وكانت من صناعتنا الذاتية، على كل منها بصمة كل منا وتوقيعه الشخصي، كلنا قد تألم من خيانة جزء منه له، ونادراً ما كانت تلك الخيانة جرحا غائرا بمرآة الحياة لنا، أو وشماً يستفز في صدورنا العواصف كلما بانت ملامحه من تحت الغبار، دائما ننفض غبار الخذلان النابع منا ونواصل المضي بحثاً عن نور متشرد لا مأوى له يرشد خطوتنا القادمة، لا تُفاجئنا خيانتنا لنا ولا تصدمنا، فلماذا تفاجئنا وتصدمنا خيانة الآخرين لنا؟! خيانتنا لنا في أقصى ضررها نسميها غلطة تستدعي العبرة، وخيانة الآخر لنا في حال تسامحنا معها نسميها خطيئة لا تمحى بالتوبة، ولا يرجى وراء العفو عنها ثواب.

لماذا يفاجأ أحدنا عندما يُورق في صدره جرح خيانة ممن يتوقع منه الوفاء؟! لماذا يبقى وميض ذلك الجرح حياً في ظلمات الصدر أبد العمر وعلى مدار مواسم الخذلان؟! لماذا يشتعل القهر فينا من جمرة خيانة للحد الذي يجعل طريق خطواتنا في الحياة مَوقداً من لهب؟! لماذا تترك خيانة من أمِنّا لهم ندباً بهيئة قفل على أبواب قلوبنا؟! يصبح الوجع لقمة أرواحنا الوحيدة السهلة الهضم، ولا تعود أرواحنا صالحة إلا لزراعة الليل؟!

Ad

إن السبب –باعتقادي- هو أن من نحبهم أو من نثق بهم هم الوحيدون الذين لا نحمل عبء الحذر منهم، فهم أولى بحمل هذا العبء عنا، فالموجع في طعنة أحدهم لنا ليس فقط الجرح ولكن مدى سخريته، فما كان على من خاننا سوى أن يعتذر عن أن يحمل عنا عبء الحذر منه، فنحمله نحن كما حملنا عبء الحذر من أنفسنا، فيناله نفس ما ينال أنفسنا من اللوم، ونصف نصيبه من الدناءة!

المؤسف أنه لا عزاء لمن لم يع التمارين التي تلقاها منذ الصغر على الخيانة ليتمكن من تجاوزها عند الكِبر!