ربما، بل من المؤكد، أن عودة الأميركيين "المظفرة"، إلى هذه المنطقة، هي التي دفعت الروس إلى المزيد من التقارب مع الإيرانيين، والواضح أن موسكو التي استعادت مكانة إقليمية ودولية كانت فقدتها، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، قد وجدت في إيران مُتكأ كحليف بالإمكان الاعتماد عليه لتحقيق تطلعات فلاديمير بوتين، الذي بات اليمين الغربي ينظر إليه بإعجاب منقطع النظير، إذ وصفته الفرنسية مارين لوبن، خلال زيارتها الأخيرة للعاصمة الروسية، بأنه "يمثل رؤية جديدة للعالم... إنه يمثل دولة ذات سيادة".

وأيضاً قالت لوبن، التي ازدادت تطلعاتها، إنْ كانت محقة أو غير محقة، إلى أن تصبح أول رئيسة لفرنسا، وأن تنضم إلى نادي عتاة اليمين المتطرف، الذي يضم إضافة إلى الرئيس الروسي كلاً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الهندي نارنيدرا مودي: "وعلى الأرجح، إنني الشخص الذي سيجمع فرنسا إلى كل هذه الدول العظيمة"... وبالطبع فإنها لم تنسَ تأييدها لضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا الاتحادية.

Ad

وهذا يعني أن فلاديمير بوتين، الذي يرى هو أيضاً أنه ظهر عالم جديد خلال السنوات القليلة الماضية هو عالمه، وأنه يمثل الرؤية الجديدة لهذا العالم، يعتبر إيران، التي لديها أطماع تمددية في هذه المنطقة العربية لا تستثني دولة واحدة، رقماً رئيسياً في معادلته الكونية هذه، وأن التحالف معها ليس مجرد مناورة عابرة لتعزيز مكانة روسيا في سورية وفي القرم وفي أوكرانيا ودول البلطيق، ولكن خطوة "استراتيجية" لضمان إيصال هذه الرؤية الجديدة بعد الشرق الأوسط وإفريقيا إلى العالم بأسره، بما فيها الغرب الأوروبي كله، وربما الصين والهند والولايات المتحدة.

ولذلك، فإنه على العرب الذين سيلتقون في اجتماع القمة الواعد هذا ألاّ يراهنوا، على الإطلاق، على إمكانية إبعاد الإيرانيين عن الروس وإبعاد الروس عن الإيرانيين، فهذه المعادلة الروسية - الإيرانية مكتملة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وإلا ما معنى أن توقع كل هذه الاتفاقيات التي وقعت في موسكو، خلال زيارة حسن روحاني الأخيرة لروسيا؟ وما معنى أنْ يحمي فلاديمير بوتين كل هذا الاحتلال الإيراني للعراق وسورية؟ وكل هذا التدخل الشائن لدولة الولي الفقيه في اليمن ولبنان؟ وكل تطلعاتها التمدّدية في العديد من الدول العربية؟

وهكذا، فإنه على "قمتنا العربية" أن تدرك، وبالتأكيد أنها تدرك وبوضوح كامل، أن الأطماع الإيرانية المستندة إلى الدعم الروسي، في هذه المنطقة، حقيقية وفعلية وبلا حدود، وأن الروس ذاهبون في هذا الشوط حتى النهاية، وأن "الرؤية الجديدة للعالم" التي يمثلها فلاديمير بوتين هي أن العالم كله، بما فيه الشرق الأوسط، يجب أن يصبح عالمه، والمشكلة هنا أن الولايات المتحدة التي أصيبت بالكساح السياسي والعسكري والمعنوي في عهد إدارة باراك أوباما البائسة، لا تزال تترنح في هذا العهد الجديد، الذي لا يزال دونالد ترامب يشغله بمناوراته وألاعيبه البهلوانيّة، إنْ على الصعيد الخارجي وإنْ في الداخل.

إن هذا هو واقع الحال، ولذلك فإنه على العرب أن يضعوا خلافاتهم غير المعروفة أسبابها جانباً، وأن يتّقوا الله في هذه الأمة التي لم تبلغ من الهوان في مسيرتها التاريخية ما هي عليه في هذه الأيام، إذ إن الفرس باتوا يحتلون عاصمة الأمويين وعاصمة العباسيّين، وعيونهم مسلّطةٌ الآن على صنعاء "التي لا بد منها وإن طال السفر"، وعلى عواصم أخرى قريبة وبعيدة. كل هذا وها هي القدس تصرخ وتنادي... ولا من سامع ولا من مجيب!