تدور إشكالية البحث في «الإسلاموية المتطرفة في أوروبا: دراسة حالة الجهاديين الفرنسيين في الشرق الأوسط» حول مسعى الوصول إلى إجابات عن تساؤلات عدة، من بينها: من هم هؤلاء الجهاديون المتطرفون في أوروبا عموماً، وفي فرنسا خصوصاً؟ وما هي بؤر الإرهاب المتطرف ومنابع تغذيته في منطقة الشرق الأوسط؟ وما هي تداعيات عودة الجهاديين المتطرفين إلى بلدانهم بعد مشاركتهم في القتال؟

Ad

احتكار الحقيقة

يتألف الكتاب من مقدمة وأربعة فصول وخاتمة. في الفصل الأول، «مصطلحات ومفاهيم»، يورد مؤلفه وليد كاصد الزيدي تعريفات مختلفة لمصطلحات ومفاهيم مستخدمة اليوم في الخطاب الغربي، من بينها: «الإسلاموية»، و«الإسلامويون»، و«الجهاد»، و«الجهاديون». ويخلص إلى القول إنّ «الإسلاموية» محاولة لتسييس الرموز والتقاليد الدينية واستخدامها أيديولوجياً؛ «إذ يدّعي الأصوليون الراديكاليون احتكارهم الحقيقة المطلقة الكاملة، وهم في ذلك يتشبهون بالطليعة الثورية للحركات الأيديولوجية الشمولية في الغرب، ولا يتسامحون مع أيّ تفسير بديل للواقع، الأمر الذي يُفضي إلى تطور طابع شمولي سلطوي للنظام المجتمعي الذي يحلو للراديكاليين تطبيقه بهذا البُعد».

تشابهية أو تعددية؟

يطرح الباحث في الفصل الثاني، «نشأة الإسلام في أوروبا ودور المهاجرين المسلمين»، سؤالاً أساسياً: أهو الإسلام الأوروبي أم هو الإسلام في أوروبا؟ ثمّ يبحث عن إجابات في عرض تاريخ هجرة المسلمين إلى أوروبا، ونشوء الجماعات المتطرفة بين المهاجرين المسلمين، فيقول إنّ ثمة أنموذجين طُبّقا في أوروبا لانصهار المسلمين في المجتمعين الفرنسي والإنكليزي: أنموذج التشابهية الذي طُبِّق في فرنسا، وأنموذج التعددية الثقافية الذي طُبِّق في إنكلترا، قائلاً: «يُعنى بالأنموذج الأول وجوب انصهار المسلمين في ثقافة واحدة، أي الفرنسية، وهذا من تقاليد الدولة اليعقوبية التي تركّز على أحادية الثقافة للشعب، ذلك لأنّ تعدد الثقافات في المجتمع الواحد بالنسبة إلى تقاليد المجتمع اليعقوبي في فرنسا يُعدّ تهديداً لوحدة الأمة. أمّا الأنموذج الثاني الذي طُبّق في إنكلترا، فيسمح بالتعددية الثقافية داخل المجتمع الإنكليزي من باب إثراء المجتمع من خلال التعدد الثقافي».

ويتطرق الزيدي في هذا الفصل أيضاً إلى إستراتيجية الجهاديين الأوروبيين وتوجهاتهم، باحثاً في تعريف الجهاديين الأوروبيين وإستراتيجيتهم الجديدة في مهاجمة أوروبا، وفي أسباب انضمام الإسلاميين المتطرفين إلى الجماعات الإرهابية، ومن بينها: سهولة السفر إلى سورية والعراق، ووجود شبكات دعم أهلية متمرسة، وعامل الجذب الديني/ التاريخي، وشعور العداوة تجاه الشيعة، ودور المساجد والأئمة، ودور النساء. كذلك يبحث في دور الإنترنت في تجنيدهم.

الإسلاموفوبيا وأسباب أخرى

يبحث الزيدي في الفصل الثالث، «نشأة التطرف الإسلامي في فرنسا وحركة الإسلامويين نحو منطقة الشرق الأوسط»، في نشأة التطرف الإسلامي في فرنسا وأسباب ظهور الجماعات المتطرفة، متناولاً الإسلاموفوبيا، والعنصرية، والظلم، والتّهميش، والعامل الاقتصادي، وتفشي البطالة، وغياب القضية الكبرى والفكر أو الأيديولوجيا، ودور التعليم والمناهج الدراسية، قائلاً: «ربما يُعزى جزء كبير من التوجهات الرامية إلى منْع الاندماج في المجتمع الفرنسي إلى تبنّي الإسلاموفوبيا ومسايرة العنصرية؛ إذ ساهم بعض الكتّاب المسلمين العرب بشكل سلبيٍّ في تحقيق عملية الاندماج».

كذلك يقدّم الباحث دراسةً مفصلةً عن الإسلامويين المتطرفين في فرنسا، دارساً أجيالهم وشخصياتهم وفئاتهم وبيئتهم وسلوكهم وخطاباتهم وأيديولوجيتهم، ويتناول بإسهاب طرائق إعداد الجهاديين الفرنسيين المشاركين في القتال في العراق وسورية وتجنيدهم وأدوارهم ونشاطهم، قائلاً: «نرى أنّ الجهاديين الفرنسيين الذين يقاتلون في هذه المنطقة لا يملكون في معظمهم معرفةً دينيةً معمقةً أو أنهم اعتنقوا الإسلام حديثاً، في حين جرى تلقينهم العقائد على يد بعض الأئمة المحليين أو من خلال السفر إلى بلجيكا أو إلى أمستردام، حيث يقيم كثير من الشيوخ المتطرفين. كذلك تؤدي شبكة الإنترنت دوراً كبيراً في تطرف بعضهم الآخر، إذ يُجنَّد المراهقون من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وغرف الدردشة، ومن خلال الاتصال الشخصي بالمجنَّد الذي يظهَر أنه مهيَّأ للجهاد المتطرف، فضلاً عن التجنيد في الدوائر السلفية في فرنسا أيضاً».

إجراءات دون المستوى

في الفصل الرابع والأخير، «إجراءات فرنسا في مواجهة ظاهرة الجهاديين الفرنسيين»، يحلّل المؤلف الإجراءات الفرنسية في وجه الجهاديين: سياسات الإدماج ومنع «الردكلة»، ومتابعة نشاط الجماعات الإرهابية على شبكة الإنترنت ومراقبته، والتشريعات القانونية لمحاكمة الجهاديين، ومواجهة مخاطر عودة الإسلامويين المتطرفين إلى فرنسا، والإستراتيجية الفرنسية في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي المتطرف، قائلاً: «حين تقويم سياسات الإدماج التي انتهجتها فرنسا منذ عقود عدة، نجد أنها لم ترقَ إلى مستوى القبول والطموح والقبول لدى العرب والمسلمين خصوصاً؛ فهم لا يزالون غير مطمئنين لصدقية هذه السياسات واستمراريتها وتحقيقيها النجاح مستقبلاً. لعل هذه المسألة تعّد مهمةً وحيويةً في منْع التطرف والتشدد».

الاعتدال هو الحل

في خاتمة الكتاب، يقدّم المؤلف رؤيةً وحلولاً مقترحةً ضمن فرضيات تتناول سُبل الحدّ من مخاطر الإسلام المتطرف في أوروبا عموماً، وفي فرنسا خصوصاً، وماهية الوسائل الناجعة لوقف تنامي أعداد الناشطين المتطرفين في الغرب، وسُبل الحدّ من توسعهم وتمدد حركتهم نحو أماكن النزاع الحالية في منطقة الشرق الأوسط، وتقليل احتمال قيامهم بهجمات إرهابية ارتدادية، قائلاً: «ينبغي معالجة الأسباب التي تقود إلى صناعة الإرهاب وتناميه وكشف منابع إدامته وتصديره، للقضاء على الإرهاب المتنامي في العالم عموماً ومنطقة الشرق الأوسط خصوصاً. فضلاً عن ذلك، ليست مهمة وقف تمدّد وازدياد انتشار الإسلاموية المتطرفة والأصولية الناشئة في الغرب مهمة جهة واحدة، إنما هي مهمة إنسانية ينبغي أن يتكاتف العالم أجمع لإنجازها. ولعل أمثل خيار لوقفها هو التوجه نحو الإسلام المعتدل، والعمل على توعية الشباب المسلمين بشكل يحميهم من الوقوع في أتون التطرف والتورط في الإرهاب، كما حدث للإسلامويين الغربيين، ومن بينهم الفرنسيون الذين دفعتهم الأفكار المتطرفة إلى الوقوع في فخ التطرف، ومن ثمّ الانزلاق نحو المشاركة في القتال في بقاع متعددة من العالم، لا سيما في العراق وسورية».

وليد كاصد الزيدي

وليد كاصد الزيدي: باحث عراقي، حائز دكتوراه في الفلسفة- تاريخ سياسي. يعمل في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في باريس. من مؤلفاته «السياسة الفرانكوفونية إزاء الوطن العربي»، و»الاستشراق والإسلام: دراسة في أدب غوته»، و«سياسة فرنسا الثقافية: دراسة حالة لبنان 1986-1959».