أثارت الأفكار، التي جاءت في الورقة البحثية التي قدمها د. تركي المغيض، في الندوة الادبية الاولى عن الشاعر يعقوب الرشيد، والتي أدارها د. عبدالله المهنا، ضمن فعاليات مهرجان ربيع الشعر العربي، بعنوان "الاشتباك النصي في شعر يعقوب الرشيد"، والتي قرأها د. عبدالمجيد فلاح بالنيابة عنه لغيابه في ماليزيا، حالة من الجدل بين المنصة والقاعة في مسرح مكتبة البابطين المركزية، حيث اعترض معظم النقاد من كبار المدعوين على استعمال كلمة "الاشتباك"، لأنها تعطي مدلولا عسكريا، والادب حالة من السلام النفسي وتعبير عن مكنونات الوداعة في الروح.

وفضل المعترضون على كلمة "الاشتباك" كلمات التشابك أو التماس أو توارد الافكار، لعدة اعتبارات أبرزها انها مترجمة من لغات أجنبية لا تؤدي الغرض المطلوب من محاولة الباحث تركي المغيض ان يخفف وطأة بعض استلهام الشاعر الكبير لبعض معاني ابيات من الشعر القديم كمدخل لبعض قصائده.

Ad

كما اعترض النقاد على ما طرحه المغيض بأن النص المستلهمة منه الفكرة "القديم" نص ساكن وجامد ومنفعل وليس فاعلا، متأثرا وليس مؤثرا، تحريكه من ركوده يبث فيه الحياة.

واشتملت الورقة البحثية للمغيض، التي تعد تلخيصا مركزا لكتابه الذي يحمل عنوانها، فصلين سبقتهما مقدمة وإضاءة ولحقتهما خاتمة، أما المقدمة فقد تناول فيها الباحث شخصية يعقوب الرشيد ومكانته الشعرية ومفهوم "الاشتباك النصي" ومسوغات اجتراحه.

إشكالية مختلفة

وتضمنت الإضاءة نشأة التناص وبداياته الأولى منذ باختين الى جوليا كريستيفا، التي اجترحت مصطلح التناص ونظرت له، لكن مفهوم التناص دخل في اشكالية مختلفة في الخطاب النقدي العربي المعاصر، وهي إشكالية تعدد ترجمات لفظة التناص، الأمر الذي جعل الباحث يجترح مصطلح "الاشتباك النصي"، ويتنباه للمبررات التي ذكرناها آنفا.

وبين المغيض مستويات الاشتباك النصي واستراتيجيته عند يعقوب الرشيد، في إطار ثنائية الخفاء والتجلي، حيث تناول المغيض الاشتباك النصي الخفي وبيان آلياته.

وصنف هذه الآليات الى ثلاث: الأولى هي التأثر، وظهر ذلك من خلال التأثر بالتيار الرومانسي، فضلا عن تأثر يعقوب الرشيد بشعراء مثل عمر أبي ريشة وفهد العسكري ونزار قباني وغيرهم، والثانية: التلميح الذي يشير الى نصوص او استدانة مستترة غير حرفية او امتصاص دلالي لنص ما او تشرب له او تطواف حول معانيه، والثالثة: التوليد وهو الاشتباك النصي الذي يستدعي نصا ما ويخضعه لعمليات تعديل وتغيير مسار واعادة تركيب وقلب وتشكيل وتوليد.

اشتباك جلي

كما تناول المغيض الاشتباك النصي الجلي عند يعقوب الرشيد، وقال: "هو اشتباك مع تشكيلة نصية سابقة او متزامنة تدخل نص يعقوب الرشيد بصورة واضحة، يضعها في تركيبة جديدة ويقوم بتزيينها بروح جديدة، ومنحها انساقا وسياقات تتواءم مع رؤيته او تدعم وجهة نظره وموقفه".

وبرزت ثلاث آليات للاشتباك النصي الجلي، الاولى: الاقتباس، وقد جاء عنده على عدة مستويات، فمنها ما كان استلهاما او امتصاصا لنص قرآني، او تحويلا او تعديلا لسياق قرآني وتحريكه الى نسق شعري جديدة، او احترارا وتكرارا لمدلول نص قرآني من اجل تعزيز موقف او برهنة رؤية، والثانية: التضمين الذي اشتبك من خلاله يعقوب الرشيد بأخذ بيت او شطر او جزء منه، وإدخاله في المكان الذي رآه ملائما ومتناغما مع أبيات قصيدته، والثالثة: استدعاء الشخصيات، وقد تعددت انماط الشخصيات المستدعاة في شعر يعقوب الرشيد.

وشملت الشخصيات الوطنية والقومية والتاريخية والأسطورية والنموذجية والأدبية، وجعل بعضها معادلات موضوعية وقتالية وأيقونات وطنية وقومية، وكان وراء كل شخصية صورة، والصورة خلفها فكرة ورؤية، فباستدعائه للشخصيات اشتبك مع هذه الفكرة والرؤى التي غذت نصه الشعري واحيت صور تلك الشخصيات، ومنها توظيف "عشتار" كشخصية اسطورية في اطار الشعر الغزلي الرومانسي.

شخصيات نموذجية

وقال المغيض إن يعقوب الرشيد اجاد في الحديث عن شخصيات نموذجية في إطار ما يسمى بالأدب المقارن بالنمذجة باعتبار نماذج بشرية قابلة للتعميم سواء كانت إيجابية مثل الشهيد أو سلبية مثل الغادر والواشي والعابثة.

واوضح أنه وجد ان مصطلح "التناص" قاصر عن التعبير عما تخضع له عملية ترحال النصوص، إذ يشير الى ان النص المرتحل هو نص فاعل ومؤثر، وهذا ما لم تدل عليه الصيغة الصرفية للتناص، التي تدل على عملية تفاعل وتشارك، وهذا ما يجانب الحقيقة، إذ إن النص السابق يقع عليه فعل النص اللاحق، حيث يشتبك معه النص اللاحق ويجره الى نص آخر.

وأضاف أنه باستعمال مصطلح الاشتباك النصي "نتخلص من فكرة الإرهاب الفكري والشعري أو الرقابة الصارمة التي كان يمارسها نقادنا القدامى على الشعراء، وتغدو العملية الاشتباكية النصية ممارسة نقدية مشروعة يقوم بها الشاعر بدور المتلقي، الذي من حقه ان يفيد من نصوص غيره ويستقبلها بالطريقة التي يراها مناسبة له ومتناغمة مع موقفه الشعري والشعوري، ويثير نصه الشعري من خلال عملية اشتباكه مع نصوص غيره وتفجيرها وتفكيكها، وانتقاء ما يدعم وجهة نظره ورؤيته، وخاصة ان مناهج النقد الحديثة ونطرياته الما بعد البنوية فتحت له الأبواب مشرعة، من مثل: التلقي والتأويل والسيميائية.

وشارك 7 شعراء في الامسية الشعرية الثانية للمهرجان، التي ادارها الشاعر رجا القحطاني، قدموا قصائد متنوعة، وهم: موضي رحال "الكويت"، وحسن سلمان كمال "البحرين"، ومحمد أمين العمر وصفوان قديسات "الاردن"، ورنا العزام وفوزي عيسى "مصر"، ومحمد جميل احمد "السودان".

عاشق للجمال في المرأة والفن والأدب واللغة

لم يكن الاعتراض من بعض كبار المدعوين مقتصرا على ما جاء في الورقة البحثية للدكتور تركي المغيض، وانما امتد الى ما قالته نجلته سعاد يعقوب الرشيد، حيث قال د. الركابي من جامعة واصل العراقية إنها لم تقدمه بما يميزه كأديب وتناولت سيرته كأي رجل عادي رغم وجود محطات كثيرة ومتنوعة في حياته كشاعر وصحافي وأديب ودبلوماسي.

وكانت سعاد تناولت مسيرة والدها منذ كان طفلا، وتبناه ثقافيا وفكريا ياسين الغربلي، وقالت إنه كان عاشقا للجمال بكل أنواعه في المرأة والفن والادب واللغة العربية التي وهبها عمره... حنون وصارم، ويكره الكذب جدا.

واضافت: "كان والدي محبا لزوجته، ويتكلم ويتغنى عن الكويت القديم، برجالها واخلاقهم، حيث كانت الكلمة عندهم ميثاقا، وكأنها دروس في الأخلاق الحميدة".