ترغب روسيا في علاقات أفضل مع الولايات المتحدة، وعلى نحو مماثل يريد ترامب علاقات أفضل مع روسيا، ولكن كما تستمر موسيقى محاور حملة ترامب بتذكرينا، لا يمكنك أن تنال دوماً ما تأمله، إليك أبرز خمسة أسباب يجب أن تدفعنا إلى استبعاد تقارب روسي-أميركي.

Ad

1- حلف شمال الأطلسي:

شكّل حمل حلف شمال الأطلسي (الناتو) على دفع مبالغ أكبر لقاء دفاعه أحد اقتراحات ترامب الثابتة في مجال السياسة الخارجية، فضلاً عن أنه الأقل إثارة للجدل نظراً إلى أن خمساً فقط من دول الناتو الثماني والعشرين تلتزم بهدف الإنفاق الدفاعي البالغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي، ولكن إليك نقطة محورية: إذا طالبت الدول الأعضاء الأخرى في الناتو بدفع مبالغ أكبر من المال ووافقت هذه الدول، يصبح الحلف أقوى لا أضعف. لا تريد روسيا حلفاً أقوى، لأن الأعمال العسكرية المستفزة لا تبني علاقات جيدة.

2- حكومة ترامب:

تساهم شخصيات المؤسسة الدفاعية داخل إدارة ترامب أيضاً في الحد من احتمال التعاون الأمني الأميركي-الروسي (علماً أن هذا التعاون يشكّل محوراً رئيساً في أي تقارب محتمل في العلاقات الأميركية-الروسية)، بما أن التبادل بين البلدين في هذا المجال محدود أساساً. على سبيل المثال أشار وزير الدفاع جيمس ماتيس خلال جلسات تأكيد تعيينه إلى روسيا وبوتين كأحد التهديدات الجيو-سياسية الأساسية التي تواجه الولايات المتحدة اليوم، كذلك استهل مايك بومبيو، الذي اختاره ترامب كرئيس لوكالة الاستخبارات المركزية، جلسات تأكيد تعيينه بالتنديد بالتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية عام 2016. ولا شك أن استقالة مستشار الأمن القومي الموالي لروسيا مايكل فلين بعد أقل من شهر زاد هذه المسألة تعقيداً، أما بديله الجنرال هربرت ماكماستر فوصف روسيا بالقوة "الرجعية العدائية" في خطاب ألقاه في معهد فرجينيا العسكري، ودفع اهتمام ترامب بالكرملين البيت الأبيض إلى تعيين مسؤولة الاستخبارات السابقة والباحثة المحترمة في الشؤون الروسية فيونا هيل مديرة بارزة لشؤون أوروبا وروسيا في البيت الأبيض.

3- سياسات روسيا المحلية:

نظراً إلى هذه الوقائع بدأت المواقف الرسمية الروسية تجاه البيت الأبيض تتبدل، فأُثيرت ضجة كبيرة حول الصورة الإيجابية الباكرة التي رُسمت لترامب في محطات التلفزة الروسية، التي يستقي منها 80% من الروس أخبارهم، فقد حظي ترامب على ما يبدو بتغطية إعلامية أفضل من بوتين نفسه: في شهر يناير، ذُكر ترامب 202000 مرة في وسائل الإعلام الروسية البارزة، مقارنة بـ147700 لبوتين، وهذه أول مرة منذ ست سنوات يسلب فيها أحد بوتين هذا الشرف. لكن هذه الحظوة بدأت تتراجع في شهر فبراير في أعقاب استقالة فلين، التي ترافقت مع تعليقَين حاول البيت الأبيض من خلالهما الحد من الضرر بتصريحه أن ترامب توقّع أن "تخفض الحكومة الروسية حدة أعمال العنف في أوكرانيا وتعيد القرم". قدّم فلين استقالته في 13 فبراير، وبين 5 و19 فبراير تراجع ذكر ترامب بنسبة 88% في كل برامج يوم الأحد الإخبارية الروسية المهمة.

4- النفط:

يُعتبر ترامب رئيساً مؤيداً للنفط لأسباب لا دخل لها مطلقاً بروسيا، إلا أنها تؤثر رغم ذلك في حكومتها، ولا شك أن سعي ترامب لإزالة كل قواعد أوباما البيئية وحضه على زيادة الإنتاج آخر ما تحتاج إليه اليوم روسيا التي تعتمد على صادرات النفط. في العام الماضي اعتمد الاقتصاد الروسي على النفط والغاز الطبيعي لتمويل نحو 50% من عائداته المالية. صحيح أن ترامب وبوتين يعربان عن إعجابهما المتبادل ويريدان علاقات أقرب إلا أن ذلك لا يلغي أهمية المصالح الوطنية المتضاربة.

5- المشكلة الجلية:

لن تختفي التساؤلات عن دور روسيا في الانتخابات الأميركية بكل بساطة، إذ أكّد مدير مكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي أن هذا المكتب يحقق في تدخل روسيا المحتمل في انتخابات عام 2016، فضلاً عن التعاون المحتمل بين الاستخبارات الروسية وحملة ترامب. في المقابل يصرّ البيت الأبيض على عدم وجود أي نار إنما دخان فحسب نجم عن التسريبات غير المشروعة ووسائل الإعلام الرئيسة المتحيزة. هذا ممكن بالتأكيد ولكن من الضروري ألا ننسى أن معظم وفيات الحرائق لا تنجم عن الحروق بل عن تنشق الدخان.

هل هذه أخبار جيدة لترامب؟ لا شك أن العلاقات الجيدة مع بوتين ستساهم في مضاغفة تدني شعبية ترامب، التي تبلغ اليوم مستويات منخفضة تاريخية، لا يمكننا دوماً أن نحظى بما نتمناه، بيد أننا نحصل أحياناً على ما نحتاج إليه. وفي حالة ترامب هذه يشكّل الأفضل له، سواء أدرك ذلك أم لا، تعزيز بعده عن روسيا وبوتين.

* إيان بريمر | Ian Bremmer